كُلّما حضرت التكنولوجيات الحديثة وعمّت الرقمنة والتطبيقات الاعلامية المتطورة داخل الإدارات ارتعدت فرائص الفاسدين.. نظريّة ثبتت نجاعتها في الولاياتالمتحدةالامريكية وفي أغلب الدول الأوروبية وفي دول عربية وافريقية وآسيوية عديدة، وتبدو تونس اليوم في حاجة أكيدة للعمل بها، بعد أن عمّ الفساد كل المجالات إلى درجة الانفلات التام والعبث بالمال العام والدوس على القوانين. ليس من الهين تعميم التكنولوجيات الرقمية الحديثة في الإدارات لأن الفاسدين عادة ما يقفون سُدا منيعا لعرقلة كل جهود الرقمنة والتحديث التي تحول دون فسادهم. اليوم تقف تونس في مفترق طرق مكافحة الفساد : فالدولة تقول إنها بصدد محاربة الفساد بمختلف الأسلحة منها سلاح تعميم التكنولوجيات الحديثة في الإدارات وخصّصت لذلك وزارة من مهامها «تحديث الإدارة». لكن في المقابل توجد «لوبيات» فساد في عديد القطاعات والإدارات مهمتها عرقلة كل جهود الرقمنة والتحديث حتى تواصل فسادها. فقد تطلب اطلاق بطاقة العلاج الالكترونية التابعة ل"الكنام" عدة سنوات بسبب تعطيلات «لوبيات» الفساد، ليتم في الاخير التغلب عليهم وإطلاقها الاسبوع الماضي بعد أن ظل الفساد متغولا لسنوات في هذه المنظومة ، وكاد يفتك تماما بالصناديق الاجتماعية بسبب عمليات النهب من المال العام والرشاوى و العمليات الوهمية. اليوم، واقتداء بتجربة بطاقة «الكنام»، تنتظر عديد المجالات العمومية الاخرى دورها في الرقمنة والتحديث بعد أن ارتفع فيها منسوب الفساد بشهادة المختصين والمتابعين وباعتراف الدولة نفسها وفي ظل ما يقع كشفه بين الحين والآخر داخلها من عمليات اختلاس كبرى للمال العام ومن صفقات شراءات وبيوعات مشبوهة ورشاوى مدفوعة واستغلال نفوذ وتدليس. وهو ما ينطبق على منظومة الصحّة العُموميّة بمختلف مؤسساتها لحمايتها من سرقات الادوية ومن التلاعب بالوثائق وبالصفقات، وعلى منظومة مسالك توزيع المنتجات الفلاحية لوقايتها من آفة المحتكرين والمهربين، وعموما على منظومات الدعم والصفقات العمومية والديوانة والامن والقضاء والتصدير والتوريد (على مستوى الموانئ) والمنظومة التربوية ومنظومة الجباية والضرائب.. المؤكد انه في كل مجال من هذه المجالات وداخل عديد الإدارات توجد «عصابات» مهمتها عرقلة التحديث والرقمنة وادخال التكنولوجيات الحديثة لان مصالحها المتأتية من الفساد ستتأثر، وكلما تم تركيز منظومة رقمية أو تطبيقة اعلامية جديدة داخل إدارة ارتعدت فرائصهم. لكن بتوفر الإرادة السياسية والجرأة والشجاعة لدى الدولة يمكن اسقاط كل حسابات هذه العصابات في الماء خصوصا أن تونس بلد صغير من حيث عدد السكان وعدد الهياكل الادارية والعمومية وهو ما يسمح بتركيز منصة رقمية وطنية متطورة اقتداء ببقية الدول تغطي كل المجالات التي يتهددها الفساد.