انتقد يوسف الشاهد الضغط على حكومته وابتزازها وتعطيلها وعدم إسنادها مستثنيا حركة "تحيا تونس"، فهل أراد الرفع من أسهمها في فترة حساسة من تاريخها (فترة الولادة) أم تعمد عكس الهجوم على حركة النهضة باعتبارها الشريك القوي في حكومته؟. تونس الشروق: "الحكومة تعرضت لجملة من الضغوطات وصلت إلى حد الابتزاز"، هذا بعض ما قاله رئيس الحكومة يوسف الشاهد في كلمته التي ألقاها في اختتام أشغال المؤتمر التأسيسي لحركة "تحيا تونس" أول أمس الأربعاء. الشاهد لم يكتف بالإشارة إلى "الضغوطات" و"الابتزاز" في تعداد التهم الخطيرة، بل أضاف أن هناك "ضربا تحت الحزام"، وأنه كان "وحيدا في عديد المعارك"... ولكن ما هي هوية الأطراف المقصودة؟. نجد إجابة عامة في قول الشاهد إن "المنظومة القائمة في السنوات الأخيرة تريد حكومة ضعيفة، وحكومة تخضع للضغط، ورئيس حكومة على قد إيديهم" وفق تعبيره باللهجة الدارجة، لكنه يجنح إلى التدقيق والتحديد بقوله إن "عديد الأطراف تدعي دعمها للحكومة لكن في الواقع شيء آخر" قبل أن يوضح قائلا: "فوق الطاولة دعم وتحت الطاولة ضغط وتعطيل وضرب تحت الحزام". فما هي هذه الأطراف التي تدعي الدعم وتفعل عكسه؟. يقصد النهضة هناك أطراف تدعم الحكومة من باب المشاركة فيها سنقسمها منهجيا إلى ثلاثة أقسام أولها حزب المبادرة وحركة مشروع، وثانيها كتلة الائتلاف الوطني قبل ولادة حركتها "تحيا تونس"، وثالثها حركة النهضة. أما الحزبان الأولان فيبديان دوما مساندتهما للحكومة لكن نستبعد أن يكونا المعنيين بالضغط عليها لأسباب ثلاثة أولها أنهما غير مؤثرين، وثانيهما أنهما لم ينتقدا الحكومة قط، وثالثهما أنهما في مشاورات مع حركة "تحيا تونس" المحسوبة على رئيس الحكومة من أجل التحالف. وأما حركة "تحيا تونس" وكتلتها البرلمانية الائتلاف الوطني فقد استثناهما الشاهد بصريح العبارة من خلال قوله إنه كان يقود العديد من المعارك وحيدا الى أن تأسست حركة "تحيا تونس" وقوله أيضا: ''في الواقع الحكومة هي التي استفادت من الحزب وليس العكس''. لم يتبق إذن من "الأطراف (التي) تدعي دعمها للحكومة" إلا حركة النهضة ما يعني أنها المعنية بالنقد والاتهامات دون غيرها فما غاية الشاهد من هذا كله؟. التقاء المصالح بين الشاهد وحركة النهضة شراكة حتمها التقاء المصالح، فمصلحة الشاهد كانت في وقوف حزب قوي إلى صفه بما يحول دون دفع حكومته إلى الاستقالة، ومصلحة النهضة كانت في تواصل الاستقرار الحكومي (عبر حكومة الشاهد) بحثا عن الاستقرار السياسي لكن بين الطرفين مد وجزر في تحديد علاقاتهما المستقبلية. فحركة النهضة تتحدث عن إمكانية التوافق مستقبلا مع حركة "تحيا تونس" وحتى عن إمكانية ترشيح الشاهد للاستحقاق الرئاسي دون أن تقطع حبل الود مع حزب "نداء تونس "ودون أن تتوقف عن تلميع صورتها على حساب الحكومة كما لو لم تكن شريكا فيها. في المقابل يحفظ بعض قياديي "تحيا تونس" لحركة النهضة جميلها في منع الحكومة من الإقالة لكن بعضهم الآخر لا يجد مانعا في الإعلان عن تعارض مشروعهم مع مشروع النهضة وعن حلم الفوز بأغلبية المقاعد في الانتخابات القادمة حتى يشكلوا حكومة لا يشركون فيها حركة النهضة. خدمة ل «تحيا تونس» حاولت حركة النهضة في بياناتها التي أصدرتها في الأيام القليلة الماضية تمتين الحاجز الفاصل بينها وبين الحكومة تحسبا للانتخابات القادمة وإبراء لذمتها تجاه الغاضبين على الحكومة وقد يكون هذا سببا في تحدث الشاهد عن الدعم المتوفر قولا والمفقود واقعيا من باب رد الهجوم لكن علينا ألا نسهى عن غاية أخرى ممكنة: فالحكومة تتلقى الضربات الموجعة واحدة بعد أخرى وتواجه الانتقاد بعد الآخر، وفي هذه الوضعية لم تجد مساندة ولا تضامنا ولا دفاعا من حزبها القوي (حركة النهضة)، ومن الطبيعي أن يدافع الشاهد بالقول إن حكومته عملت "في ظل ظروف صعبة (...) ودون سند سياسي" وإنه كان "وحيدا في عديد المعارك"… ومع هذا فقد ارتأى الشاهد أن يخص حركة "تحيا تونس" بالاحترام لأنه يرى أنها أفادت الحكومة دون أن تستفيد منها حتى يقدم لها خدمة جليلة في وقت مهم من تاريخها يوافق موعد مؤتمرها التأسيسي وفترة الاستعداد للحملة الانتخابية. بين الشاهد والنهضة شراكة حتمتها في السابق المصلحة المشتركة، وبينهما اليوم هجوم وهجوم معاكس أملتهما تضارب المصالح. لأن مصلحة النهضة في التبرؤ من تقصير الحكومة، ومصلحة الشاهد في رفع أسهم حكومته وحركة "تحيا تونس". قرارات «حسن البنا»؟ قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد في كلمته التي ألقاها أول أمس في اختتام أشغال المؤتمر التأسيسي لحركة "تحيا تونس"إنه يأخذ قراراته انطلاقا من "الوطنية" ولا يحدّد قراراته لا اليمين ولا اليسار ولا ماوتسي تونغ ولا حسن البنّا. وإذا كان الرابط بين اليسار وماوتسيتونغ واضحا باعتبار أن بعض الأطراف في اليسار التونسي "ماوتية" الأيديولوجيا فإن الاستشهاد بحسن البنا يطرح أكثر من نقطة استفهام. فالمعلوم أن البنا يرتبط بحركة "الإخوان المسلمون" ومعلوم أيضا أن حركة النهضة "متهمة" دون غيرها في تونس بالانتماء إلى حركة الإخوان وأنها لم تحسم رسميا في هذه "التهمة" بالنفي ولا بالاعتراف وإن كان بعض قيادييها نفى مطلقا أي رابطة بينهما عكس بعض آخر ركز على قطع العلاقة منذ عقود عندما راجعت حركة النهضة أفكارها واختارت أن تكون حركة تونسية. الخطير في استشهاد رئيس الحكومة بمثال حسن البنا الإخواني أنه يأتي في إطار الحديث عن قرب اتخاذ الولاياتالمتحدة قرارا بتصنيف الاخوان المسلمين حركة إرهابية ما يشكل ضغطا إضافيا على حركة النهضة فهل أراد الشاهد توريطها عن قصد أم إنه تكلم عن حسن نية دون أن تكون له خلفية سيئة؟.