من مفارقات هذا العصر أنّه يواجه تحديّات تبدو متناقضة ومتعارضة وهي في الحقيقة أوجه لواقع واحد. ففي نفس البلد نعاين ظواهر متباينة وتمثّل تحديّات إذ كلها تتسبّب في استنزاف الخيرات وتشكّل عبئا بيئيّا واجتماعيّا واقتصاديا وصحيّا. فهذه البلدان النامية تواجه في ذات الوقت معضلات ناتجة عن المجاعة وسوء التغذية من ناحية واستفحال ظاهرة السمنة في أوساط الشعب بل في نفس العائلة ولربّما لدى نفس المواطن. فلقد قام مركز تابع للمنظّمة العالميّة للصحّة بدراسة شملت هاييتي والبينين وخلصت إلى أنّ 16 بالمائة من المواطنين يعانون من السمنة. أين تكمن أسباب ذلك؟ إنّها «غربنة» الغذاء في البلدان النامية بما في ذلك أفريقيا التي تعاني من المجاعة وسوء التغذية. «لقد أدّى انتشار نموذج التغذية الغربي والصناعي بصفة عامّة إلى ارتفاع نسبة الزيوت المشبعة والسكريّات والملح بينما تراجعت نسبة الألياف والخضر والغلال» هذا ما توصّلت له هذه اللّجنة. فبقدر ما زادت نسبة الحريرات في الغذاء تراجعت كميّة المواد المغذيّة والأملاح المفيدة والفيتامينات وزاد الغذاء حموضة. يؤثّر كلّ ذلك على نموّ الطّفل في نفس الوقت الذي يتسبّب في السمنة. فالأب (أو الأم) يعاني من السمنة وزيادة الوزن بينما يعاني الطفل من نقص في الفيتامينات والمغذيات ويتعرّض جسمه لشتّى أنواع الأمراض الناتجة عن نقص المناعة هذا علاوة على تأثير التلوّث البيئي. كما هي الحال بالنسبة للبلدان المصنّعة فإنّه، وعلى عكس ما يتصوّره البعض، تستفحل ظاهرة السمنة في الأوساط محدودة الدخل بما أنّ الأغذية الغنيّة بالدهون والحريريات والتي تكاد تخلو من المغذيات والفيتامينات أقلّ كلفة (البطاطس المقليّة، الدجاج المصلي، المارغرين،...). في المدن يسهل على المواطنين من الأوساط الشعبيّة الحصول على الغذاء المضرّ بالصحّة والغنيّ بالدهون لتعدّد المطاعم ومحلاّت الأكلات السريعة و»الفاسد فود» تدعمها الإعلانات ومعلّقات الإشهار التي تعترض المواطن أينما توجّه. يشعر المواطن بأنّه أصبح مواكبا لعصره لمجرّد استهلاكه للفاست فود الذي سوّى بين الأغنياء والفقراء. من المعلوم أيضا أنّ تناول المرأة الحامل لهذا الغذاء المضرّ يهيّئ المولود للأمراض المزمنة من نوع السكّري وأمراض القلب والشرايين والسمنة. ففي الوقت الذي يتعرّض فيه أكثر من 20مليون طفلا تقلّ أعمارهم عن 5 سنين لسوء التغذية والمجاعة ويموت منهم ما يقارب المليون طفلا سنويّا يصاب جزء هام منهم بالسمنة وزيادة الوزن. في دراسة صادرة عن منظّمة الأغذية والزراعة (الفاو) بعنوان «مكافحة الجوع اليوم قد تساعد على منع البدانة في الغد». ففي 36 بالمائة من دول العالم يستهلك المواطن كميّات من الغذاء تفوق الحدّ الأقصى المسموح به. فاستهلاك الكولسترول يبلغ 300 ميليغرام في اليوم بالنسبة للفرد الواحد بينما تفوق نسبة الشحوم 30 بالمائة الحدّ الأقصى في 34 بالمائة من البلدان. كلّما تيسّر الغذاء إلاّ وتحوّل العديد من الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية إلى البدانة بسرعة كبيرة. (يتبع)