لقد ارتبطت هذه التحوّلات بتغيّرات في المشهد الزراعي. فلقد تراجعت المساحة المزروعة قمحا ب32 بالمائة في ظرف 100 سنة لصالح زراعات الكولزا (Colza) التي تضاعفت 27 مرّة في نفس الفترة وزراعات عباد الشمس التي تضاعفت 8 مرات خلال العشرين سنة الأخيرة (بالأخصّ لتوفر علف الحيوان). من ناحية أخرى تراجع عدد المزارع خصوصا منها الصّغيرة والمتوسّطة. ففي سنة 1955 كان قطاع الزراعة في البلدان الصناعيّة يشغّل ما يقارب ٪27 من اليد العاملة ولم يعد يشغّل اليوم سوى ٪4 من اليد العاملة. أفرغت الأرياف من سكّانها وأدّى ذلك إلى قطيعة شبه تامّة بين المنتج الزراعي والمستهلك وواكب ذلك تراجع في التنوّع البيولوجي وفي أنواع البذور والحيوانات والنباتات بينما تركّز الإنتاج واحتكرت مؤسّسات البذور والصناعة الغذائيّة مجال البحث الزراعي وفقدت المناطق الزراعيّة خصوصيّاتها وعاداتها بل وجمالها ورونقها. 1) المجاعة وسوء التغذية سوء التغذية لا يعني النقص في الحريرات أو النقص في توفير الكميّة الضروريّة من الطّعام. فسوء التغذية لا يتناقض مع السمنة. فعلى سبيل المثال 25 بالمائة من الأطفال بالولايات المتحدة الأمريكيّة يعانون من زيادة في الوزن لكن الأطعمة التي يتناولونها خالية من العناصر المغذيّة والأملاح والفيتامينات. فالغذاء ينقصه الحديد والزنك وينتج عن ذلك أنيميا ونقص في المناعة ومزيد من التعرّض للأمراض الجرثوميّة. هناك إفراط في التغذية الغنيّة بالدهون والسكريّات يقابلها غياب الغذاء لدى الجزء الآخر. فلا عجب أن يعاني الوالدان من السمنة وما ينتج عنها من أمراض كالسكّري وتصلّب الشرايين بينما يعاني الأطفال من سوء التغذية رغم اقتناع الأبوين بأنّ أطفالهما يتناولون الكميّة الضروريّة من الغذاء لكنّهما لا يتساءلان البتّة عن جودة وقيمة الغذاء الذي يقدمانه لأبنائهما : غذاء صناعي مجفّف، مصبّر، معلّب، محلى، مضاف له مواد كيميائيّة، غنيّ بالدهون، فاقد للمذاق وخالي من الأملاح والفيتامينات. لكلّ هذه الأسباب وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضا تلوّث المحيط يتعرّض أطفالنا لأمراض الحساسيّة والتهابات الحلق والوزتين وزيادة النشاط وقلّة التركيز وأمراض الأظافر والإصابة بالفطريّات وأمراض البشرة بينما يصبحون أكثر عرضة لأمراض القلب والشرايين والسكّري في مرحلة متقدّمة. ليست البلدان الصناعيّة وحدها معرّضة للسمنة وسوء التغذية بل أنّ هذا الوباء قد انتشر وعمّ كثيرا في البلدان النامية. يعاني 3.3 بالمائة من أطفال العالم من البدانة. تفوق هذه النسبة 5 بالمائة في مصر والجزائر وشيلي وأرمينيا وقد بلغت 15 بالمائة في أوزباكستان. كلّما كان انفتاح البلاد النامية سريعا على العادات الغذائيّة الغربيّة (بلدان أوروبا الشرقيّة – بلدان الاتحاد السفياتي السابق على سبيل المثال) إلاّ وكان ارتفاع نسبة البدانة أعلى. (يتبع)