«كارثة أخرى» كان تعليقا مشتركا للتونسيين حول الحادث المروري الأليم الذي جدّ صباح امس في مدخل تلابت من ولاية القصرين. هذا التعليق بلا شكّ هو عنوان لحالة من الترقّب والانتظار بات يعيش عليها التونسي ليس لتغيير الواقع المعاش بل لإحتساب الكوارث التي باتت متواترة بشكل مقلق. تونس الشروق: توقّف الزمن بالتونسي عند محطة انتظار يبدو انها شبه منسيّة فالعدّاد الزمني يقول إنه مضى على الحراك الاجتماعي الذي انهى نظام حكم بن علي ثماني سنوات ورغم ذلك لم تُزهر بعدُ أحلام الخبز والكرامة والتشغيل. بل إنّ نسبة البطالة ما تزال في حدود 15.5 بالمائة مع نهاية العام 2018 وفقا لإحصاءات المعهد الوطني للإحصاء. كما انّ الميزان التجاري اعتلّ واستمرّت علّته سنوات طويلة ليبلغ 19049 - مليون دينار وفقا لنفس المصدر. وزادت نسبة التضخم لتصل الى 7.1 بالمائة ومعها انهارت المقدرة الشرائية بسبب الارتفاع المتزايد للأسعار وخاصة أسعار المواد الغذائية. وضع اقتصادي ازّم وضع الدينار لتشهد قيمته تقهقرا مستمرّا امام ابرز العملات في سوق الصرف. وفي المقابل بلغت اقسى درجات النمو المسجلة وفقا للارقام الرسمية ما نسبته 2,2 بالمئة وهي نسبة لا يمكنها باي حال من الأحوال ان تكون محرارا لتغيير الواقع الاقتصادي في البلاد ولحل ازمة البطالة ولا للترفيع في قيمة الدينار ولا لمعالجة عجز الميزان التجاري. محطّة الترقّب على أبواب تلك المحطّة، محطة انتظار وترقّب تغيّر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية او محطة الانتقال الاقتصادي والاجتماعي، راكم التونسي امام انظاره مشاهد لكوارث مرّت على البلاد وهزّت الضمير الجمعي للتونسيين. وتطوّر الامر الى حالة شبه انتظار مستمر لوقوع كوارث جديدة يُبدي فيها التونسي مواقفه بكل حريّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وابرزها «فايسبوك» ثمّ يمرّ الى يومه التالي بحثا عن فرضية وقوع كارثة ثانية. استيقظنا في صباحات مغايرة على وقع اخبار غرق لقوارب المهاجرين غير النظاميين. تونسيون وأجانب أكل ملح البحر أحلامهم. يتأثّر التونسي حين يصله الخبر ينفعل ويلقي بحمم تعليقاته في كل اتجاه ثمّ يعود الوضع لنصابه في انتظار صباح اخر مختلف. هاهي سيول جارفة تغرق ولاية نابل وتوثّق كاميرات الهواتف الجوّال صورا مفزعة للسيول وهي تغمر المنازل وتاخذ معها السيارات في اتجاه البحر. ماذا حصل وأي خطإ أوقع مدينة بأكملها تحت جحيم تلك السيول؟. تمر الكارثة ليستيقظ اثرها الراي العام على وقع تلاميذ مزطولين في مدارسهم وآخرون تعرضوا لتسممات غذائية في مدارسهم. تمر الكارثة لتتواتر اخبار الحوادث المرورية للعاملات في القطاع الفلاحي بعضهنّ يلقين مصرعهنّ والاخريات ما يزال في اعمارهنّ بقايا شقاء. في صباح آخر مختلف تتواتر اخبار الانتحار في صفوف الأطفال والمسنين والشباب لأسباب تتعلق في الغالب بردّات فعل انفعالية تجاه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمشاكل داخل العائلات والصعوبة في الحصول على الخدمات الأساسية مثل العلاج والتشغيل. تمضي الكارثة لتحل بيننا في يوم آخر مختلف وأكثر حزنا كارثة مقتل 14 رضيعا في مهدهم في مستشفى وسيلة بورقيبة في الرابطة. كوارث تجعل الجالس في تلك المحطة يغوص في مقعده مشدوها منتظرا ماذا سيحصل في اليوم التالي. تشاؤم في اليوم التالي حصل ما كان متوقعا على الدوام حيث ارتطمت سيّارة محمّلة بأكثر من 30 عاملة وعاملا فلاحيا فجرا بسيارة أخرى محملة بصناديق دجاج جاهز للطبخ. المشاهد كانت صادمة وردّت الفعل الجماعية كانت عنيفة. ثمّ جاءت الصورة التي تؤكد ان حوادث أخرى مماثلة مرتقبة ما لم يتغيّر الوضع فالسيّارات المحمّلة بعاملات القطاع الفلاحي لم تتوقف عن نقل العاملات الى المزارع وبذات الشكل حيث الاكتظاظ وحيث تُسكب المياه على أرضية السيارات كي تجبر النساء على البقاء واقفات وهكذا يمكن نقل اكبر عدد ممكن من العاملات. الحادث الكارثة يبدو انه قد يتكرر ودليل ذلك ان موكب وزير الداخلية الذي تحوّل الى قرية البلاهدية لتقديم واجب العزاء لاهالي ضحايا الحادث المأساوي لم يتوقّف ليتحدّث ولو لوقت قصير مع «موكب» العاملين الفلاحيين الذين كانوا على متن جرّار وعلى متن سيّارة بذات المشهد الذي اودى بحياة 12 عاملة وعاملا فجر ذلك السبت الحزين. الكوارث مرتقبة لذلك يستخدم التونسيون وصف «كارثة أخرى» كتعليق على مجمل الاخبار الواردة حول حوادث الطرقات وحوادث العنف والانتحار وحوادث السرقة والنهب والفساد وحوادث الغرق وكل الاخبار التي ترتقي الى مستوى الكارثة. وسوسيولوجيّا ونفسيا لا تبدو هذه الحالة سليمة فانتظار الكوارث تطبيع معها وتعايش معها وهو استسلام للاجهاد السلبي ومن يعاني من الاجهاد السلبي يميل الى ان يصبح سلبيّا جدّا ومتشائما من الحياة وهو حال التونسيين حيث ارتفعت نسبة التشاؤم من 32.6 بالمئة في شهر مارس الماضي الى 38.6 بالمئة في شهر افريل وفقا لمؤسسة امرود كونسيلتينغ. فاتن مبارك (باحثة في علم الاجتماع) الانفجار قادم والحل في الانتخابات حاورتها أسماء سحبون كيف نفهم هذه الحالة من الانتظار والترقّب التي يبدو عليها التونسي امام الكوارث؟ هناك غياب للإرادة السياسية الوطنية والقوية والتي باستطاعتها ان تنهي هذه الحالة من التطبيع مع الكوارث والتعايش معها. فالموجودون حاليا هم موجودون وعابرون والعلاقة أصبحت مصلحة حينية فردية بالنسبة للمسؤولين. في تفسيري ليس هناك إرادة سياسة وطنية والتي هي الوحيدة التي باستطاعتها اخراجنا من الوضع الذي نعيشه اليوم. والمقصود بالإرادة السياسية الوطنية هو ان يكون للسلطة الحاكمة برنامج و ان تشتغل من اجل الوطن وليس تشتغل على ملفات الأشخاص والضغط بالملفات. ماذا يعني ان تخرج الينا لجنة التحقيق حول وفيات الرضع وتقول ان غرفة تحضير الطعام للرضع ملوثة في اعتقادي في كل العالم تحدث مثل هذه المصائب ولكن يتم كشف الحقائق كاملة والفاعل الاجتماعي في تونس اليوم متلقّ جيّد للمعلومة وبالتالي الإرادة السياسية الحقيقية هي تلك التي تكشف الحقيقة كاملة للرأي العام اما ما نعيشه اليوم فهو وضع كاريكاتوري فماذا يعني ان يمرّ موكب وزير الداخلية قرب جرار وعربة يركبها عاملات وعمال في القطاع الفلاحي في نفس الظروف التي تسببت في حادث فجر السبت دون ان يكلّفه الامر عناء التوقف والحديث اليهم. من هم في المشهد اليوم هم أصحاب الملفات لا غير. وكيف هو وقع هذا الواقع على الفاعل الاجتماعي؟ طبعا هناك تاثيرات سلبية على سلوك المواطن وهو ما نسميه في علم الاجتماع بالتقليد فالمواطن ينخرط في موجة من الأفعال المشابهة لسلوك من هم في السلطة وبالتالي يصبح لا يحترم الإشارات المرورية وهذا امر يبدو عاديا بالنسبة اليه ويصبح ربّما يرتكب أيضا العنف والقتل وهذا امر قد يكون عاديا أيضا في ذهنيّته وبالتالي هؤلاء هم النموذج الذي يُطرح حوله الف سؤال حول خطاباتهم وتصرفاتهم فما هي النماذج التي يقدمها الخطاب السياسي والإعلامي والاجتماعي؟ كيف ترين الحل للخروج من هذا الوضع الاجتماعي الصعب؟ يجب ان يدرك التونسي كفاعل اجتماعي انه صاحب قوة التغيير أي انه قادر على تغيير هذا الوضع بانتخاب البديل في الانتخابات المقبلة وبالتالي الحل في الانتخابات لأننا نعيش اليوم مرحلة تدافع ستوصلنا الى العنف والانفجار سيأتي على الأخضر واليابس فالكل يسرق اليوم والكل يتحايل وما من رقيب وبالتالي تصادم الناس بين بعضهم البعض والدخول في مرحلة عنف شديد وارد وشخصيا أخاف ان نصل الى مرحلة خطيرة جدا والتصادم قد يكون اسرع مما نتوقع فالتونسي اثبت عبرالتاريخ انه حين يختنق يرتكب ردّة الفعل غير المتوقعة. وبالتالي مطلوب ان نكون واعين بخطورة المرحلة وضرورة الانخراط الكبير في الانتخابات من اجل التغيير فهناك ربّما من يدفعنا نحو التصادم ويريد القول باننا لا نستحق سوى قيادة استبدادية ولكن نحن نعوّل على حب التونسي للحرية والإصلاح لنا كل مواصفات تنفيذه ولكننا نحتاج الى إرادة سياسية وطنية.