لم تتناه إلى سمعه مطلقا أصوات منبّهات السيارات التي ملأ ضجيجها المكان... فقد كان يبتسم وهو منهمكا في تصفح شاشة هاتفه الجوال غير عابئ بطابور السيارات التي كانت تنتظر انطلاقته ولا بالإشارات الضوئية التي انتقلت من الأحمر إلى الأخضر فقد كان مستمتعا بتبادل الرسائل الالكترونية متغافلا تماما عن كونه يجلس خلف مقود سيّارة - وأي خطإ منه ولو كان بسيطا - يمكن أن تنجر عنه كارثة تزهق من خلالها أرواح بريئة لا ذنب لها غير انشغال أحد السواق المتهورين «بالفايسبوك».. هو مشهد يتكرّر يوميا في طرقاتنا بما يؤكد أننا إزاء ظاهرة تستوجب دقّ ناقوس الخطر من قبل المختصّين في المجال بما أنّ التونسي أضحى اليوم عاجزا عن ترك وسائل التواصل الاجتماعي سواء كانت «فايسبوك» أو»تويتر» أو»انستغرام» حتى أثناء القيادة. فيكفي أثناء قيادتك لسيارتك أن تلقي نظرة على باقي السيارات لترى غالبية من هم وراء المقود منغمسين في شاشات هواتفهم الجوالة: إما بصدد قراءة الأخبار المتواترة على مختلف الصفحات الاجتماعية أو بصدد تبادل الرسائل الالكترونية وكثيرا ما تبلغ درجة التهور «ذروتها» ليواصل السائق القيادة والدردشة الالكترونية في نفس الوقت غير عابئ بالكارثة التي قد تنجر عن هذا السلوك المتهور. ولعل السؤال الذي يطرح بإلحاح اليوم: كيف ستعالج الهياكل المهتمّة بالسلامة المرورية هذه الظاهرة التي تتجاوز درجة خطورتها المحادثات الهاتفية اثناء القيادة؟ والاهم من ذلك هل من استراتيجية في الافق تطوق الظاهرة؟ يرى المختصّون في المجال أن هذه الظاهرة التي نلاحظها يوميا على طرقاتنا هي ظاهرة مقلقة ومفزعة بالنظر إلى كونها تتسبّب في حوادث مرور إلاّ أنه يصعب بلغة الأرقام حصر أو ضبط الحوادث المنجرّة عنها بالنظر إلى أنّ حوادث الدردشة الالكترونية تندرج في خانة الحوادث التي تقع نتيجة السهو وعدم الانتباه. تؤكد في هذا السّياق عفاف بن غنية رئيسة جمعية سفراء السلامة المرورية في تصريح ل «الصباح» أن هذه الظاهرة بصدد التفاقم مشيرة الى ان الجمعية قامت الصائفة الماضية بحملة توعوية في هذا الاتجاه موضّحة في السياق ذاته أن الحملات التوعويّة والتحسيسية تبقى غير كافية في ظل غياب آليات الردع والعقاب. وحول حصيلة حوادث المرور المنجرّة عن الدردشة الالكترونية أوردت المتحدثة انه لا وجود لإحصائيات دقيقة في هذا المجال بالنظر إلى أنّ الحوادث التي تقع جراء تصفّح وسائل التواصل الاجتماعي تندرج في خانة الحوادث التي تقع جراء السهو وعدم الانتباه مؤكدة في السياق ذاته أن المحادثات الالكترونية تتسبّب في حوادث مرور عديدة . ومن هذا المنطلق طالبت بن غنية كل من وزارة الداخلية والمرصد الوطني للمرور بضبط إحصائيات دقيقة حول تسبب الدردشة الالكترونية في حوادث مرور، مشيرة إلى أن الظاهرة بصدد التضاعف في ظل غياب آليات ردع واضحة، موضحة في هذا السياق أن الحملات التوعوية وآليات الردع بخصوص حزام الامان قد أتت أكلها بالنظر إلى تقلص عدد حوادث الطرقات جراء إقرار آليات ردع واضحة. وتجدر الإشارة إلى أن المكلف بالإعلام بالمرصد الوطني لسلامة المرور بوزارة الداخلية أسامة المبروك قد اكد في شهر نوفمبر الماضي في تصريح اعلامي لموقع نسمة «أن المرصد الوطني لسلامة المرور بوزارة الداخلية قد سجل انخفاضا في عدد قتلى حوادث الطرقات ب44 قتيلا وفي عدد الجرحى بأكثر من 740 جريحا خلال العشرة أشهر الأولى من السنة الماضية». وأكّد المبروك «أنه تم تسجيل 5812 حادث مرور خلال ال10 أشهر الأولى من السنة الماضية توفي على إثرها 1150 قتيلا وأصيب فيها 1855 جريحا مبينا ان 47 بالمائة من نسبة الوفيات في مثل هذه الحوادث القاتلة من فئة الشبان وتتراوح اعمارهم بين 18 و32 سنة، فيما تليها نسبة الكهول من فئة الرجال والنساء موضحا في السياق ذاته أن السبب الأول للحوادث في تونس هو السرعة التي خلفت عددا أكبر من القتلى والجرحى يقدّر بحوالي 360 قتيلا خلال العشرة أشهر الأولى من السنة الماضية تليها في المرتبة الثانية: قلة الانتباه وفي المرتبة الثالثة عدم ملازمة الطريق».