من معاني التسامح : السهولة والحلم، والعفو و اللين، والجُود والإحسان .. والتسامح خلق نبوي عظيم، وكثيراً ما كان لهذا الخلق النبوي الأثر الكبير في تغيير نفسية من جاء يريد إيذاءه صلى الله عليه وسلم، فقد كان يأتي أحدهم وليس على وجه الأرض مَنْ هو أبغض له من النبي صلى الله عليه وسلم، ويعود وليس على وجه الأرض من هو أحبّ إليه منه، وذلك لتسامحه وعفوه صلوات الله وسلامه عليه. وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالتسامح والعفو والإحسان، فقال سبحانه: «وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»فصِّلت 35:34 ، قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات : «وقوله: «وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ» أي: فرق عظيم بين هذه وهذه، «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» أي: من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه.. وقوله: «فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» وهو الصديق، أي: إذا أحسنتَ إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبّتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنّه ولي لك حميم أي: قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك. ثم قال: «وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا» أي: وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس أي يصعب ويعسر « وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» أي : ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والأخرى». والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف والأحاديث الدالة على جميل عفو وتسامح النبي صلى الله عليه وسلّم، ومنها: التسامح مع الجاهل والمسيء عن أنس رضي الله عنه قال: «كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه (جذبه) بردائه جبذة شديدة، نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم أمر له بعطاء» رواه مسلم، قال النووي: «فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه.. وفيه كمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه». وقال ابن حجر: «وفي الحديث بيان حلمه صلى الله عليه وسلم، وصبره على الأذى في النفس والمال، والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام، وليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل من الصفح والإغضاء والدفع بالتي هي أحسن». يتبع