كبر علي رضي الله عنه وهو لا يزال طفلا. فقد تحوّل إلى بيت النبوة وترعرع فيه طفلا. وانخرط في الرسالة لما نزل الوحي على ابن عمه وهو لا يزال طفلا.. كيف كبر علي؟ وكيف تشكلت شخصيته إذا كانت المقادير قد أحاطته بكل هذه الرعاية والعناية؟ أسئلة تجد عناصر الاجابة عنها في بيت محمد وخديجة. فأي شيء أروع من أن ينشأ المرء ويتربى وتتشكل شخصيته في بيت رسول وأم مؤمنين؟ وأي حظ يمكن أن يداني حظ من كان بن عمّ خاتم الأنبياء وسيد المرسلين؟ وأية قيم وعلوم يمكن أن تضاهي تلك التي يتلقاها الإنسان في مدرسة محمد بن عبد الله (صلعم)؟ وأي تفقه وتفكر وتعمق في كتاب الله يمكن أن يداني فقه وتدين وثقافة علي وتضلّعه في الدين وهو الذي نهل من المشكاة الربانية وكان من أول المتلقين لها وهي تنزل تباعا على ابن العم والنبي والحبيب والصديق الكافل محمد بن عبد الله. هذه المعطيات التي تجمعت في قالب مقادير وعناية إلهية رمت إلى صقل شخصية خليل الرسول وكاتم أسراره بشكل يجعله قادرا على شدّ أزر نبي الله. هذه المعطيات كان يستحضرها علي رضي الله عنه. وكان يدرك جيد الادراك أن ما حدث معه منذ انتقاله من بيت أبيه إلى بيت ابن عمه محمد وخديجة لم يكن صدفة بقدر ما كان ترتيبا إلهيا واعدادا لحدث جلل. فقد كان يقبل على الحوض النبوي بنفس الشره والشهية والاندفاع، يكرع من مناهله ولا يشبع.. ويراكم العلوم والمعارف والحكم فتظهر عليه سريعا علامات التفوق والنبوغ بين أترابه وأصدقائه. وإذا كانت السيدة عائشة قد لخصت الرسول بقولها كان خلقه القرآن، فإنه بالإمكان تلخيص خلق سيدنا علي رضي الله عنه بأنه كان من خٌلق انسان خٌلقه القرآن. لذلك اجتمعت له من الفضائل ما لم يجتمع لغيره. وهذا أمر كان يدركه سيدنا علي، بل ولا يمنع نفسه من التباهي والمفاخرة به. فقد أخرج بن عساكر ان عليا رضي الله عنه قال مختزلا نفسه ومختزلا شخصيته وسيرته: محمد النبي أخي وصهري وحمزة سيدة الشهداء عمّي وجعفر الذي يمسي ويضحي يطيرُ مع الملائكة ابن اُمّي وبنت محمّد سكني وعرسي مسوط لحمها بدَمي ولحمي وسبطا أحمد وَلداي منها فأيكم له سَهمٌ كسَهمي وبالفعل فكيف يكون لشخص سهم كسهم من كان محمد النبي أخاه وصهره وكان حمزة سيد الشهداء وجعفر الذي يطير مع الملائكة ابن أمه وكانت ابنة محمد سكنه وسبطا الرسول الحسن والحسين ولداه منها؟ وإلى حلقة أخرى