لم يكد ذلك الطفل الصغير الذي كبر كما أسلفنا قبل الأوان يبلغ العاشرة من عمره حتى وجد نفسه وجها لوجه أمام حدث جلل. وأي حدث أجلّ وأهمّ من نزول الرسالة على نبي الأمة بن عمه محمد صلى الله عليه وسلّم وشروعه في التبشير بها والدعوة إليها انطلاقا من محيطه الصغير. ولقد كانت أم المؤمنين السيدة خديجة أول من علم بالرسالة وأول من آمن بها وأول من صدّق الزوج الأمين محمدا. ويروي ابن إسحاق قصة إسلام علي رضي الله عنه الذي كان ثاني بشر يؤمن بالرسالة المحمدية ويطلق الشهادتين ويوجزها كالآتي (جاء علي ذات يوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلام خديجة فوجدهما يصليان فقال: ما هذا يا محمد؟ قال النبي دين الله الذي اصطفاه لنفسه وبعث به رسوله فأدعوك إلى الله وحده وإلى عبادته وتكفر باللات والعزّى.. فقال علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاضي أمرا حتى أحدّث أبا طالب، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: يا علي إن تُسلم فاكتم... فمكث عليّ تلك الليلة ثم أن الله أوقع في قلبه الإسلام فأصبح غاديا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء فقال: ما عرضت عليّ يا محمد؟ فقال رسول الله (تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وتكفر باللات والعزّى، تبرأ من الأنداد، ففعل علي وأسلم وكتم إسلامه ولم يظهر به». وبذلك يكون علي رضي الله عنه ثاني من يسلم من البشر وأول من يسلم من الذكور وأول من يحفظ سر بن عمه رسول الله المبشر والنذير إلى البشرية جمعاء... وتحفظ كتب السيرة قصصا طويلة عن نفحات إيمانية كان يتقاسمها رسول الله مع بن عمه وحافظ سره علي بن أبي طالب، فقد كان الرسول إذا حضرته الصلاة يخرج أحيانا إلى شعاب مكة مصطحبا معه علي مستخفيا من أبيه أبي طالب ومن كل أعمامه وسائر قومه، وكانا يمكثان في شعاب مكة ما شاء لهما الله ويصليان ويتفكران في أمور الرسالة والدين، إلى أن عثر عليهما أبو طالب ذات يوم وهما يصليان فسأله: «يا ابن أخي ما هذا الدين الذي تدين به؟» ليجيبه المصطفى (أي عمّ هذا دين الله، ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم) ثم دعاه إلى دين الحق لكن أبا طالب تمسّك بدين أبائه لكنه عاهد الرسول بقوله: والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت.. وتروي كتب السيرة أن أبا طالب ومع تمسكه بدين أبائه وأجداده إلا أنه لم يحاول إكراه ابنه علي على ترك هذا الدين، بل على العكس يروى أنه قال له «ألا إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه». وبذلك تبدأ رحلة إيمانية طويلة سوف يبلي خلالها علي بن طالب البلاء الحسن، بلاء أهله ليكون سيد العشرة المبشرين بالجنة... وهي الرحلة التي سنتوقف في أبرز محطاتها. فإلى حلقة أخرى