يشتكي الكثير من مستعملي وسائل النقل العمومي في تونس من تفاقم معضلة المواصلات في شهر رمضان ورداءة الخدمات والاكتظاظ وطول فترات الانتظار في أوقات الذروة مما يجعل تنقلهم اليومي الى مقرات عملهم رحلة عذاب. تونس (الشروق): لم يعد ما يعيشه النقل العمومي في تونس منذ سنوات خافيا على أحد نظرا لما يشوب هذا القطاع من مشاكل متنوعة على راسها الازدحام والفوضى وعدم احترام المواعيد وتأخر السفرات وهو ما ينجر عنه تأخر الالتحاق بمقرات العمل. كل هذه المشاكل يتحمل وزرها المواطن كل صباح لدى ذهابه للعمل أو الدراسة وكل مساء عند العودة إلى المنزل ويزداد الامر تعقيدا في شهر رمضان خلال أوقات الذروة التي تشهد عودة العملة والموظفين الى منازلهم في نفس التوقيت. حوار وطني وبعد؟ وضع النقل العمومي الكارثي لا يخفى على الحكومة التي انتهت منذ أيام من عقد حوار وطني حول النقل كان من بين النتائج التي توصل اليها الاستبيان الذي نشرته وزارة النقل مؤخرا على بوابتها لتشريك المواطنين في الحوار من خلال تجميع توصياتهم ورصد تشكياتهم أن 42 بالمائة من المواطنين ينتظرون يوميا وسائل النقل لأكثر من ساعة بالإضافة الى تشكيات أخرى عديدة تجعل هذا القطاع في حاجة اكيدة لإعادة هيكلة. وقد انتهى الحوار الوطني حول قطاع النقل الى جملة من التوصيات تم الكشف عنها يوم الجمعة 03 ماي بهدف تشخيص واقع القطاع ووضع الاستراتيجية المستقبلية والاصلاحات الضرورية ومن بين هذه التوصيات المنصوص عليها إحداث وحدة مختصة في مجال الأمن بشركات النقل العمومي على غرار الوحدة المحدثة في القطارات للتصدي للنشل والجرائم في وسائل النقل وتامين رحلات المسافرين. ضرورة انجاز مخططات مديرية جهوية للنقل وإحداث صندوق لتمويل النقل الحضري وتدعيم دور البلديات في مجال النقل ودعم النقل الحديدي ضمن المشاريع المستقبلية للتخفيف من الضغط المروري وتوفير مآوي سيارات للربط مع النقل العمومي والتخفيض في سعر الوقود او دعمه بالنسبة للنقل العمومي الجماعي والعناية بحالة الطرقات وذلك حفاظا على سلامة الاشخاص ووسائل النقل والاسراع في اصلاحها وصيانتها وتدعيم شركات النقل لتجديد الاسطول والنهوض بالخدمات بالإضافة الى فتح خطوط نقل جديدة بالنسبة لولاية اريانة وذلك عبر ربط الولاية بالشبكة الحديدية السريعة خاصة بالمناطق النائية واتمام خط المترو من اريانة لسكرة ونقلة مطار قرطاج من موقعه لتسهيل حركة المرور. كما تم التوصية بالإسراع بإنجاز الخط الحديدي بالنسبة لولاية مدنين كما صدرت توصيات أخرى في مجال النقل الجوي والبحري...وكلما يرجوه المواطن ان يتم الإسراع في تنفيذ مخرجات هذا الحوار والا يكون مصيرها كمصير حوار اصلاح التعليم. أين «المفاجأة السارة»؟ ولم يختلف وضع النقل العمومي خلال رمضان هذا العام رغم تصريح وزير النقل هشام بن أحمد مؤخرا في وسائل الاعلام الذي وعد فيه المواطن بمفاجأة سارة في رمضان اذ قال «قبل شهر رمضان سيتم تعزيز كبير لأسطول الحافلات وسيتغير النقل في تونس العاصمة». وأضاف «هناك مفاجأة سارة بالنسبة الى أسطول الحافلات بتونس الكبرى وستحل بعض المشاكل» لكن لا يبدو الى اليوم ان شيئا تغير في مجال النقل يمكن للمواطن ان يلمسه. ويشار الى انه في نفس التصريح لم ينكر الوزير وجود ازمة في هذا القطاع موضحا بانه «لم يتم شراء حافلات خلال 7 أو 8 سنوات وكان التوجه خلال ال3 سنوات الفارطة نحو شراء الحافلات الفرنسية إلى حين إعلان طلب عروض لتركيب حافلات جديدة في تونس» وشدد على انهم يحاولون جاهدين تحسين خدمات النقل لافتا النظر إلى وجود إشكال كبير في أسطول النقل خاصة وأنه قديم. لكن مستعملي وسائل النقل العمومي لم يلمسوا اثرا لهذه المفاجأة التي وعد بها وزير النقل فالوضع لازال على حاله ان لم يزدد تدهورا فتواتر الحافلات يشهد تأخيرا يوميا خاصة في اوقات والاكتظاظ طال حافلات الخطوط التي أصبحت بدورها تنقل عددا كبيرا من الركاب يفوق حمولتها والمقاعد التي تحويها. والسؤال المطروح هل ان التصريحات السابقة لا تعدو ان تكون مجرد وعود تندرج في إطار الحملة الانتخابية السابقة لأوانها؟ رحلات اضافية وككل سنة اشارت شركة نقل تونس في بيان لها انه مواكبة لتنقّلات حرفائها خلال شهر رمضان وانسجاما مع خصوصيات هذا الشهر الكريم تولّت « برمجة سفرات خطوطها بصفة تتلاءم مع الأوقات الإدارية وأوقات المؤسّسات المدرسية والجامعية. وتشتمل هذه البرمجة على 8488 سفرة يومية منتظمة تؤمّنها 619 حافلة إلى جانب 833 سفرة يومية يؤمّنها أسطول الحافلات المخصّص للنقل المدرسي والجامعي والمتكوّن من 173 حافلة. أمّا بخصوص الشبكة الحديدية فإنّ خطوط المترو ستؤمّن يوميا 1078 سفرة في حين سيتجاوز عدد سفرات الخط الحديدي تونس- حلق الوادي-المرسى (ت.ج.م) 128 سفرة وذلك بواسطة 100 عربة مترو و6 أرتال على الخط ت.ج.م. كما سيتواصل العمل باعتماد سفرات إضافية لتدعيم خط المترو رقم 4 تربط بين محطتي «سليمان كاهية» و»برشلونة» خلال الذروة الصباحية وبين محطتي « باب سعدون» و»خير الدين» خلال أوقات الذروة المسائية. وسيتمّ تدعيم العرض خلال النصف الثاني من شهر رمضان من حيث عدد السفرات ومن حيث توقيتها وذلك مواكبة لتطوّر طلبات التنقّل تماشيا مع الأنشطة الثقافية وأيضا الحركة التجارية التي تشهدها الاستعدادات للاحتفال بعيد الفطر. ورغم هذه التعزيزات التي يتم الإعلان عنها سنويا فان الواقع يعكس تكرر اعطاب الميترو والحافلات ووضع الاكتظاظ الرهيب وتأخر السفرات بالإضافة الى الوضع غير المريح للسفرات... اختناق مروري لا يكمن اشكال النقل العمومي فقط في تقادم الاسطول وضرورة تجديده بل يتجاوزه الى البنية التحتية وتحديدا وضع الطرقات في تونس العاصمة التي لم تعد قادرة على استيعاب العدد الهائل من العربات في حيّز الجولان خاصة في أوقات الذروة اذ ان التجوال فيها معاناة يومية فما بالك إذا انضاف عدد جديد من العربات لا قدرة لهذه الطرقات على استيعابها علما وأن العدد الجملي للعربات والسيارات في تونس بلغ 2.170.000 عربة في 2018. ويضاعف اكتظاظ الطرقات من تأخير وسائل النقل العمومي فالبنية التحتية المتقادمة لم تهيئ لكل هذه الحركة المرورية وهو ما يجعل أوقات الحافلات متذبذبا ورهين انفراج حركة المرور. وتتنوع مشاكل مستعملي الطريق لدى استعمال وسائل النقل في رمضان وباقي أشهر السنة اذ ان منها الازدحام والمضايقات والسرقات والاعتداءات بالإضافة الى تردي الخدمات حتّى أن بعض المراقبين يؤكدون ان وضع القطاع قبل 50 سنة كان أفضل من اليوم وذلك بسبب عدم تجديد الأسطول الذي تهرّم وأصبحت خدماته رديئة ذلك ان العمر التقديري للحافلة لا يتجاوز الخمس سنوات على الأكثر في حين تصل أعمار الحافلات العشر سنوات وربما اكثر وهي بصدد الاستغلال مما يتسبب في الكثير من حالات العطل اليومي والمتكرر والحوادث ومع زحمة مستعملي الحافلات تتوتّر الأجواء ممّا يؤدى إلى تسجيل مئات حالات العنف ضدّ المراقبين والسوّاق والقباض وتهشيم عدد من الحافلات...