الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي حاضر من مدة في تونس رغم ملازمته منفاه في السعودية، لكن إطلالته الأخيرة مختلفة عن سابقاتها بالنظر إلى توقيتها ومظاهرها وردود الأفعال منها ما يجعله وقودا للحملات الانتخابية. تونس الشروق: بن علي يطل علينا تلفزيا ضمن فقرة دينية ينهيها مقدمتها بالدعاء ل«سيدته»، بن علي على فراش الموت حسب الأخبار التي نقلتها العصفورة لرئيس حركة المشروع محسن مرزوق، بن علي حاضر في تدوينات أعدائه وأتباعه حتى إن الشيخ الزيتوني لطفي الشندرلي كتب في حسابه على الفايس بوك مدحا في الرئيس الأسبق قال له فيه: «لقد تركت وطنك الحبيب لأناس أتوا عليه كالجراد فتركوه صعيدا جرزا..». بن علي لم يغب عن تونس وإن كان منفيا منذ ما يفوق الثمانية أعوام فهو حاضر دوريا في القضايا المتهم فيها، وفي كوابيس خصومه وأعدائه، وفي أجندات بعض الأحزاب التجميعية المتلحفة بالمرجعية الدستورية، وفي تحسر بعض المواطنين العاديين، ففي الكثير من الاحتجاجات هتف بعض المحتجين باسم بن علي ووصل الحد ببعضهم إلى تعليق صوره على واجهات محلاتهم. بن علي شغل التونسيين قبل أشهر بظهوره في حفل عقد قران بنته نسرين على كادوريم لكن إطلالته الأخيرة مختلفة كليا عن سابقاتها. «محاسبة كل المسؤولين» دعاء لبن علي في فقرة تلفزية دينية تم تسجيلها قبل الثورة، الخطأ البشري وارد ومع هذا سارعت إدارة التلفزة الوطنية إلى الاعتذار وإصدار القرارات التأديبية امتصاصا لغضب مشاهديها لكن القرارات لم ترض بعض الأطراف، فهذا القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي يقول أول أمس عبر جوهرة آف آم إنه «إذا كان بالفعل خطأ فيجب محاسبة كل المسؤولين عن ارتكابه وليس بالتضحية بمدير القناة» ولكن لماذا محاسبة كل المسؤولين عن خطأ من المحتمل جدا أن يكون عفويا؟. لو فرضنا أن تمرير الفقرة الدينية كان مجرد خطأ بشري فإن نتائجه قد تكون لصالح الأطراف التي لم تتنكر لبن علي أو ندمت على الإطاحة به فتتضرر الأطراف التي تبني استراتيجياتها السياسية على التصدي للثورة المضادة التي قد تعيد بن علي إلى الحكم. ولو فرضنا أن التمرير كان عن قصد فهذا دليل على عدم حياد مرفق عمومي في قيمة الجهاز الإعلامي الرسمي وانحيازه لأطراف سياسية دون أخرى لهذا على الأطراف المتضررة أن تتدخل حماية لمصالحها الانتخابية كما فعل المكي. لكن هناك أطراف أخرى تستثمر في بن علي انتخابيا. «الرحمة الإلهية» عادي جدا أن تستحضر عبير موسي وأتباعها الرئيس الأسبق في جل جولاتها وتدخلاتها وتهديداتها فهي في النهاية تجمعية «أصيلة» تغنت قبل الثورة ب»سيادته» ودافعت ضد زوال نظامه وتعرضت للعنف أثناء اعتراضها عن حل حزبهما ولكن ما الذي يدفع بسياسي لم يكن «أبدا من أنصاره ولا جمعته به مصلحة أو اتفاق، وكان مختلفا مع جانب كبير من توجهاته السياسية» مثل محسن مرزوق إلى أن يطلب «له الرحمة الإلهية وتخفيف القضاء الذي لا بدّ له عنه»؟. مرزوق لا يتواصل مع بن علي ولم يطلعنا على مصدره الذي أخبره بأن الأخير «مريض جدا» بل أكتفى بالقول إنه استقى المعلومة مما وصفها ب«الأخبار المؤكدة». لو افترضنا جدلا أن الخبر صحيح وأن هناك فعلا أخبارا مؤكدة فلماذا لم يظهر مرزوق إنسانيته ورحمته ورأفته ببن علي إلا هذه الأيام ولماذا لم يتداع للأخبار الكاذبة التي تحدثت قبل أعوام عن انهيار حالته بن علي الصحية ولا للأخبار المؤكدة التي أشارت إلى انهيار حالته النفسية والاجتماعية والمالية...؟. استقطاب التجمعيين الإجابة بسيطة، فخلال أشهر قليلة تدور الانتخابات التشريعية والرئاسية ومن الفائدة للمعني بهما أن يبدي للناخبين رحمته ورأفته ووازعه الديني ومعدنه الأخلاقي الذي لا يعارض القانون والأهم أن يستقطب الفئة المترددة من الناخبين التجمعيين. أنا متعاطف مع رئيسكم وأبنائه من منطلق إنساني وتسعدني عودتهم إلى بلادهم مع حفظ كرامتهم في إطار مصالحة شاملة، ليس هناك أروع من هذا القول للتجمعيين المتعلقين إلى اليوم برئيسهم الأسبق لكن مرزوق ليس الممارس الجيد الوحيد للسياسة ولا الماهر الوحيد في الحملات الانتخابية السابقة لأوانها، فهناك أطراف أخرى لا تريد لخصومها أن يشاركوها في استثمار بن علي انتخابيا، لهذا قوبلت تدوينته بردود فعل غاضبة بدعوى أنه يفتري على صحة بن علي كذبا. قد يكون أفضل رد في ما قاله محمود المهيري (مستشار بن علي سابقا): «بنفس الضحكة وبنفس الصوت الممتلئ يبلغكم السلام…» (يقصد بن علي)، قبل أن يضيف في تدوينة له على الفيس بوك: «وللسيد محسن مرزوق.. حاول اعمل السياسة (بطريقة أخرى)..».