إنّ الدّين له عدّة معاني في اللغة يتغيّر حسب ما يطلق عليه فتارة يعني الملك والسلطان، كما جاء مبيّنا هذا معنى في قوله تعالى {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} (يوسف 76) ولقد أخبرنا الله عزّ وجلّ أنّ الدّين هو الطريقة في سورة الكافرون الآية ستة {لكم دينكم ولي دين} وجاءت كلمة الدّين في سورة الأنفال بمعنى الحكم في قوله تعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} (الأنفال39) وتعبّر كلمة الدّين على الذل والخضوع، يقال: دان لفلان أي خضع له وذل، وكذلك الجزاء، كما في قوله تعالى {مالك يوم الدين} الفاتحة 4) وتتغيّر هذه الكلمة العظيمة من موضع إلى آخر ، وقد تأتي كالقانون الذي ارتضاه الله تعالى لعباده صريحة في قوله تعالى {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً} (الشورى 13) أمّا اصطلاحاً فالدّين هو ما شرعه الله لعباده من أحكام. إنّ الدين هو الفطرة التي يفطر الله عز وجل الناس عليها منذ أن يولدوا من بطون أمهاتهم كما جاء في قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: كل مولود يولد على الفطرة. (صحيح بخاري ومسلم) وهي الفطرة التي فطرهم عليها يوم قال {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} (الأعراف 172) وهي السلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة. ومن هنا ظهرت حاجة الإنسان الفطريّة إلى الدين، أي إنّه في وقت الشدائد والمصائب يجد نفسه لا إراديّاً يطلب العون والغوث من قوّة مطلقة عليا لديها القدرة وحدها على إخراجه مما ألم به من مصائب الدنيا، لذا جاء القرآن الكريم ليبين لنا أن الله عز وجل وحده هو القادر على فعل كل شيء وهو وحده القادر على إخراجنا من أيّ من المشاكل والملمّات التي نمر بها، كما جاء في الآية الكريمة {وإذا مسّ الناس ضرٌّ دعوا ربهم منيبين إليه، ثمّ إذا أذاقهم منه رحمة، إذا فريقٌ منهم بربهم يشركون} (الروم 33) الإنسان بطبعه دائم التفكّر في كل ما يجري في هذا وفي كيفيّة نشأته وإلى أين سيكون مصيره بعد الموت، ممّا جعله في حيرة دائمة حيال تلك الأمور، لذا جاء الدين ليعرّف الإنسان بقدرة الله عز وجل على خلق هذا الكون وكل ما فيه، وقد أهتمّ الدين اهتماماً كبيراً بالجانب العلميّ من الحياة، فقد جاء ليعلم الإنسان ما يحدث في واقعه وأنّه جزء لا يتجزّأ من هذا الكون الواسع الذي يعيش فيه، كما عرفه بالمصير الذي سيؤول إليه بعد موته، وأنّه ليس هنالك أيّ شيء خالد في هذا الكون إلا الله عز وجل وحده، كما قال سبحانه وتعالى {كل من عليها فان ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام} ( الرحمان 26 و27).