تزخر بطحاء الحلفاوين بالعديد من اهل الثقافة والادب والفن الذين كانت بصمتهم واضحة وجلية ومتميزة في المشهد الثقافي والادبي التونسي من خلال ما صاغوه من اشعار وما كتبوه من أفكار أدبية واصدروه من كتب ومؤلفات تحفظ تراث وهوية هذه الربوع الجميلة من الوطن الكبير. الحسين الجزيري أحد اساطين التأليف الهزلي في بطحاء الحلفاوين ومن خلالها في كامل تراب البلاد هذا الاديب الحصيف من عائلة تركية استقرّت مدّة طويلة بالجزائر ومن ذلك جاء لقب «الجزيري»، هاجرت عائلته إلى تونس عقب الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830) واتخذت حيّ الحلفاوين الشعبي الواقع في قلب العاصمة التونسية مستقرّا لها. تعلّم الجزيري بأحد كتاتيب الزّاوية البكرية ثمّ التحق بجامع الزّيتونة واختصّ بملازمة الشيخ عثمان المكّي التوزري صاحب كتاب المرآة لإظهار الضلالات الذي حارب فيه بدع الطرق الصوفيّة وشعوذاتها، وصاحب جريدة «بوقشّة» الفكاهيّة النقديّة. انقطع الجزيري عن متابعة التحصيل العلمي بجامع الزيتونة بعد أن رُفت بسبب انضمامه إلى صفوف الداعين إلى إصلاح التعليم بالجامع سنة 1910. أسس روح الأدب العربي لتناول صور الحياة الماثلة بالتهكم والنقد، وأبدع في التلاعب بالألفاظ والتراكيب والأبيات والأمثال ومزج روح النقد الجدي بالدّعابة والتنكيت فجدّد للنثر العربي روحه ومرونته كتب الجزيري المقالة الصحفية والمقامة ونظم الشعر واشتغل مؤلّفا وملقّنا مسرحيا، وأسهم في إنتاج عدّة برامج إذاعية، وكان أسلوبه في كلّ ذلك ساخرا متهكّما «يستخرج الضحك من روح الألم ويتخيّر الألفاظ ذات الوقع المطلوب من العربية الفصحى أو العاميّة، ومدار شعره ونثره على روح الكفاح السياسي والاصلاح الاجتماعي، عرفت عنه روح المرح والدّعابة والفكاهة، من ذلك قصيده الفكاهي الشهير حول شهر رمضان : فرحت بمقدمه بطون الناس *** شهر تحن لذكره أضراسي تلك الموائد ما جلست أمامها *** وضربت أخماسي إلى أسداسي إلا وصار القلب في شرك الهوى*** يرجو تعطف مرقة البسباس ويلوذ بالأكباب وأشواقي إلى *** طاجين جبن طيب الأنفاس يا للبريك ويا للحم حشوه *** قد جودوه بقوة المهراس لي في محبته شهود أربع *** لحم الدجاج، وسلتة الأتياس والجوز في تمر تحلى واستوى *** وكذلك تشهد بوزة في الكاس كيف التصبر والبطاطا أشرقت *** والمسفوف في الكسكاس ؟ إن القطائف لامثيل لنورها *** فتضيء وسط البطن كالنبراس كيف السبيل لذي الصنوف وجمعها*** والجيب مخروم من الإفلاس ؟ يتبع