لم تعد تفصلنا عن شهر رمضان ان شاء الله غير ايام معدودات، ولم نسمع الناس عن حكمة تشريع الصوم فيه يتحدثون ولم نرهم يفكرون الا في الاستعداد له بشتى الماكولات والمشروبات من لحوم وغلال وخضروات ومملحات وحلويات وغيرها مما تحبه وتطلبه وتعشقه الضراس والبطون، ولكأن الله تعالى الذي شرع هذه العبادة التي تنص على الصيام اي الانقطاع عن الشراب والطعام من طلوع الفجر الى غروب الشمس قد امرنا مع ذلك بتعويض ما فاتنا في فترة الصيام نهارا بتناول اكثر ما يمكن ليلا من اصناف الطعام والشراب وعدم الانتباه والتفكير خلال ذلك كله في ما يراد بتشريعه من تحقيق الفوائد الروحية والنفسية في هذه العبادة الدينية الموسمية المذكورة في السنة والكتاب.. والدليل على ذلك ان الأمة الاسلامية تمر بهذه العبادة منذ قرون ولكنها لم تستفد منها بما شرعها الله سبحانه وتعالى من اجله بل تستقبلها دوما بشهوة العيون والأفواه والأضراس والبطون ومن يقول غير ذلك فهو اما جاهل واما كاذب وهذا هو في نظري سبب ما نحن فيه اليوم من الأزمات والمصائب، فرمضان اصبح في كل البلاد الاسلامية تقريبا يسبب مشكلا من المشاكل الاقتصادية فهذه الدول تسعى الى توفير جميع انواع اللحوم والخضر والغلال لشعبها الملهوف الجوعان وخزنها في كل مكان ولو ادى ذلك الى التوريد بالعملة الصعبة وانفاق ما عظم وكثرمن الأموال ولعل احسن من صور هذه الحالة المرضية التي اصابت الشعوب الاسلامية في شهر رمضان ومنها البلاد التونسية هو الشاعر الملهم الموهوب حسين الجزيري رحمه الله وطيب ثراه الذي ترك لنا قصيدة تاريخية في حقيقة العلاقة بين الناس وقدوم شهر رمضان منذ اقدم زمان فقال في اصدق قول وافصح لسان واوضح بيان فرحت بمقدمه بطون الناس شهر تحن لذكره اضراسي تلك الموائد ما جلست امامها وضربت اخماسي في اسداسي الا وطار القلب في شرك الهوى يرجو تعطف مرقة البسباس ويلوذ بالأكباب واشواقي الى طاجين جبن طيب الأنفاس يا للبريك ويا للحم حشوه قد جودوه بقوة المهراس والجوز في تمر تحلى واستوى وكذلك تشهد بوزة في الكاس وهل يعتقد عاقل او يصدق ان عبادة الصوم ستكون مفيدة كما ارادها الله سبحانه وتعالى للمسلمين منذ قرون ليرفع ذكرهم وشانهم بين غيرهم من الناس وهم يستقبلون شهر رمضان الذي انزل فيه القران بفرح البطون وحنين الأضراس ولغة البسباس وقوة المهراس و لذة البوزة في الكاس؟؟؟