نتوقّف اليوم مجدّدا مع جرأة وإقدام وشجاعة سيّدنا علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه. لماذا؟ لأن هذه العناصر بالذات في تركيبة شخصية الإمام سوف تكون محدّدة في صنع هالة كبرى حوله... هالة غذّاها الخيال السردي الذي كان الوسيلة الأولى لنقل الأخبار والسير... وغذّاها حبّ شقّ من المسلمين ومن أتباع وشيعة علي بالخصوص وهو حبّ وصل حدّ نسج الأساطير والخرافات حوله بشكل أصبح في أحيان كثيرة يلامس الشرك والكفر، لأن عقول هؤلاء المفتونين بابن عمّ الرسول ﷺ وزوج ابنته وبرباطة جأشه في الذود عن رسالة الاسلام والقدرات القتالية الخارقة التي أظهرها في الغزوات والمعارك الكثيرة التي اشترك فيها وخاضها ببسالة منقطعة النظير زيّنت لهم نسج القصص والروايات حوله. وعند هذه النقطة نرى لزاما التوقّف للتأكيد على عنصر هام يتمثل في موقف سيّدنا علي من هذه الروايات والأساطير التي حِيكت حوله والتي أفضت الى إضفاء شيء من القدسية على شخصه وعلى سيرته بشكل حوّله لدى الكثيرين منهم الى النقطة المحورية في مشوار الرسالة المحمدية. فقد كان سيّدنا علي يرفض هذه الأقاويل والأساطير جملة وتفصيلا. وكان ينهى عنها ولا يتردّد حتى في عقاب المجاهرين بها. وبالعودة الى شجاعة وإقدام علي وقوّته وقدراته القتالية الفائقة فإن الشواهد كثيرة وكثيرة جدا، ويكفي التذكير بأن اللواء كان بيده في كثير من المشاهد وفي مقدمتها معركة بدر الخالدة: كما يحفظ التاريخ لسيّدنا علي أنه فاتح حصن خيبر، فبعد أن استعصى فتح باب الحصن قال رسول اللّه ﷺ: «لأعطينّ الراية رجلا يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله ويفتح اللّه على يديه»، ثم نادى عليّا فدفعها إليه. وقد صادف أن كان الإمام مصابا بمرض الرّمد وقتها، فقال: يا رسول اللّه إنّي أرمد فتفل الرسول ﷺ في عينيه وقال: «اللّهم اذهب عنه الحرّ والبرد». وبالفعل تقدّم علي الصّفوف في معركة الحصن وأبلى بلاء حسنا أفضى الى فتح بابه وإسقاط حصن اليهود. وأنشد سيّدنا علي وقتها قائلا: «أنا الذي سمتني أمي حيدرة (الأسد) كليث غابات كريه المنظرة أوفيهم بالصاع كيل السندرة» ومن أكبر الشواهد على شجاعه رضي الله عنه أنه نام مكان النبي ﷺ لما أراد الرسول الهجرة الى المدينة. وشواهد شجاعة وإقدام علي كثيرة جدا وتستعصي على العدّ والحصر. وقد انضافت الى قربه من الرسول وورعه وتقواه وتفقّهه في الدين لتصنع له هالة شكلت ابتلاء كبيرا حيث وصل بعض شيعته الى تأليهه كما وصل بعض الزنادقة الى القول بأن عليّا هو اللّه، وقد اختزل الإمام بليته هذه بقوله: يهلك فيّ إثنان: محبّ يقرّضني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شناني على أن يبهتني... ألا إني لست بنبي ولا يوحى إليّ، ولكني أعمل بكتاب اللّه وسنّة نبيّه ﷺ ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة اللّه فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم. وإلى حلقة أخرى من أقوال الإمام الجاهل ميّت بين الأحياء. إذا لم تكن عالما فكن مستمعا واعيا. إنك إن تواضعت رفعك اللّه... وإنك إن تكبّرت وضعك اللّه.