شبل في بيت النبوّة... كذلك كان علي... و كذلك نشأ علي، تنشئة جمعت مكارم الأخلاق وأسس السلوك القويم وتشبّعت بخلق الرسول وبكلامه وبأفكاره وتأملاته وهو يستعد لاستقبال الحدث العظيم. لكن تنشئة علي وشخصية علي لم تتوقّف على هذه الجوانب مع أهميتها في صقل عقله وفكره وسلوكه... بل إنها امتدّت لتشمل مناحي أخرى مكمّلة لمعالم شخصيته... وتتمثل في قيم الشهامة والرجولة والجرأة والشجاعة. وقد كان كلها من الثوابت التي يحرص الكبار على زرعها في الصغار لتكون لهم سلاحا وحماية عند الكبر، ولأن الرسول الكريم ﷺ كان يعدّ ابن عمّه ذلك الشبل الغضّ الطريّ الذي كبر واشتدّ عوده في كنفه ولمقادير أخرى ويجهّزه ليحمل أوزار وأعباء أخرى فإنه لم يهمل جوانب الشجاعة والفروسية في شخصية علي، وبالفعل فإن الشبل الصغير سرعان ما كبر قبل أوانه واستبق السنوات ليكمل صقل مواهبه وشخصيته ويصبح رجلا مكتملا وهو في العاشرة، وأي امتحان أصعب من امتحان الاطلاع على سرّ النبي وتحمّل مسؤولية وأمانة كتمانه السرّ. وأيّ قرار سيكون أصعب من قرار ترك آلهة قريش وترك دين الآباء والأجداد والإيمان برسالة محمّد وبدين محمّد وإطلاق الشهادتين بين يدي رسول اللّه ﷺ وهو كذلك في العاشرة من عمره. ولأنه تربّى تحت عيون الرسول وفي كنفه ولأنه نما وترعرع بين يديه وتحت عنايته ورعايته فإن الرسول سوف يوكل إليه مهاما عظيمة أثناء معارك وأحداث كانت فارقة ومفصلية في تاريخ الرسالة المحمدية وهي تشقّ طريقها وسط جحافل الكفار في قريش وفي قبائل العرب وفي امبراطوريات الجوار... لقد كانت ثقة الرسول في ابن عمّه مطلقة تماما كما كان يدرك أن بالإمكان التعويل عليه وعلى شجاعته وإقدامه لكسر شوكة الكفر ولإذلال كل دعي مستكبر. ولعل أبرز مثال على ثقة الرسول في قدرات سيّدنا علي رضي اللّه عنه وعلى رهانه عليه في مواضع كثيرة لعل أبرز مثال يتجسّد في إسناده لواء المسلمين في أغلب المشاهد وفي الكثير من المعارك المفصلية التي خاضها المسلمون وفي المقدمة منهم الفتى علي بن أبي طالب بشرف وإقدام واقتدار. وهي مشاهد نستوقف عند البعض منها بالنظر لأهميتها في نحت شخصية الإمام علي المؤمن والمقاتل والمجاهد في سبيل اللّه.. وكذلك لأهميتها في ما حام حول شخصية الإمام وما ألصق بها من قصص خيالية وأساطير وصلت بالبعض حدّ الزندقة. وإلى حلقة أخرى من أقوال الإمام كن ابن من شئت واكتسب أدبا يُغْنِيكَ مَحْمُودُهُ عَنِ النَّسَبِ إن الفتى من يقول ها أنا ذا ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي