غزة.. المقاومة تُجْهِزُ على عدد من الجنود الصهاينة في كمين مركب    نابل: المشلوط، القلاية، والطاجين بونارين من الأطباق التقليدية المميزة    مهاجم برشلونة البرازيلي رافينيا يفوز بجائزة أفضل لاعب في البطولة الاسبانية    السعودية.. تفاصيل جديدة في مقتل الأستاذ الجامعي    بالفيديو: لقطة طريفة لخروف هارب على التيك توك    تسجيل 187 تبليغا عن انقطاع المياه في ماي 2025    تكلفة الحج 2025 في العالم العربي: أرقام وصدمات لا تتوقعها!    تجريد جولييف من ميداليتها في أولمبياد 2012 بعد رفض محكمة التحكيم استئنافها    سرّ ''المشوي'' الناجح: هكذا تجعل لحم العيد طريًّا    امتلأت بهم جنبات المسجد الحرام.. الحجاج يؤدون طواف الإفاضة    ''ما تغلطش في العيد'': كيف تحافظ على صحتك إذا كنت مريض سكري، ضغط أو قلب؟    والي صفاقس يشارك أطفال قرية "س و س" المحرس فرحة عيد الأضحى    ''السيتروناد واللحم المشوي'': مزيج تقليدي بنكهة صحية في عيد الأضحى    نصائح بسيطة لتفادي مشاكل الهضم في عيد الأضحى    غابرييل يمدد عقده مع أرسنال حتى 2029    قلق بين الجمهوريين.. ماسك قد يتحول ل"عدو خطير"    دولة واحدة فقط في العالم قادرة على إطعام سكانها دون الحاجة إلى الاستيراد.. فما هي؟    نستهدف استعادة اشعاع منتخب كرة السلة للكبريات بعد سنوات من الاستغناء عن هذا الصنف (مدرب المنتخب التونسي)    هل لاحظت''رعشة لحم العلوش'' بعد النحر؟ إليك التفسير العلمي والديني لهذه الظاهرة    كيف تحافظ على جلد الأضحية في الطقس الحار قبل وصول البلدية؟    منوبة تثمن جلود الأضاحي: حملة بيئية واقتصادية لمجابهة التلوث في العيد    ارتفاع في درجات الحرارة وخلايا رعدية محلية في الجنوب    وزيرة الشؤون الثقافية ونظيرها الإيطالي يدشنان معرض "مانيا ماتر: من روما إلى زاما    الحجاج يؤدّون رمي جمرة العقبة الكبرى في منى    ما هو طواف الإفاضة؟ فريضة الركن بعد عرفات    عاجل: موعد مباراة المغرب ضد تونس والقنوات الناقلة للبث الحي والمباشر    التمديد في نشر فيلق مشاة خفيف وسرية تدخل سريع تونسيين تحت راية الأمم المتحدة في إفريقيا الوسطى    وزيرة الشؤون الثقافية ونظيرها الإيطالي يدشنان معرض "مانيا ماتر: من روما إلى زاما    الأردن وأوزبكستان يحققان إنجازاً تاريخياً بالتأهل إلى كأس العالم 2026    بداية مخيبة لانشلوتي مع البرازيل    الحجاج يرمون الجمرات في أول أيام عيد الأضحى    جمرة العقبة تُرمى فجر العيد... والحجاج يشرعون في النحر والطواف    ماذا بعد الانتهاء من رمي جمرة العقبة الكبرى؟    هيئة السّلامة الصّحية: تكليف فريق من الأطباء البياطرة لتقديم التوجيهات اللازمة للمواطنين    اريانة: بلدية رواد تزيل النقاط السوداء بمنطقة الغزالة    محرز الغنوشي: ''تذبح العلوش ثم البحر ينادي''    هل نحمي صغارنا من مشهد الذبح... أم نعلّمه معنى القربان؟    عيدكم مبروك...    ردّا على قرار ترامب.. تشاد تعلق منح تأشيرات للأمريكيين    فريق قسم جراحة الجهاز الهضمي "أ" بمستشفى الرابطة ينجز تقنية متقدمة لعلاج سرطانات البطن    صابة الحبوب: تجميع 992.776 ألف قنطار إلى غاية 4 جوان 2025    سوق البورصة تجه صعودا هذا الاسبوع    العاصمة الإيطالية روما تحتضن معرض "مانيا ماتر من روما إلى زاما"    الأوركسترا السمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى في يومها العالمي 21 جوان    المنظمة الفلاحية تدعو إلى تعديل سعر قبول البطاطا الفصلية ب1350 مي/ كغ كحدّ أدنى    المتاحف والمعالم التاريخية تفتح أبوابها مجانًا للتونسيين والمقيمين هذا السبت    بوسالم.. يضرم النار في جسد طليقته امام مركز البريد    القيروان: وفاة شخصين وإصابة 20 آخرين في حادث انزلاق شاحنة خفيفة بحاجب العيون    عاجل/ المتّهم بقتل هشام الميراوي يمثل أمام القضاء الفرنسي (تفاصيل)    نجوم الراي في حلقة استثنائية من برنامج "أنا والمدام" على قناة تونسنا    هل السخانة أثّرت على حجاج تونس في عرفة؟ المنسّق الصحي يطمئن العائلات    وزير الفلاحة يفتتح موسم الحصاد بزغوان    بطولة رولان غاروس: ديوكوفيتش يفوز على زفيريف ويضرب موعدا مع سينر في نصف النهائي    مدنين: إحباط تهريب هواتف بقيمة تفوق 690 مليون وفتح تحقيق أمني عاجل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    نحو رقمنة شاملة للقطاع السياحي    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الكاتب حسونة المصباحي    المُثَلَّثُ الشُّجَاعُ والمُسْتَطِيلُ اُلذَّكِيُ    









مقابر جماعية برهن الايجار..بقلم نادية حكيم
نشر في الشروق يوم 15 - 05 - 2019

يقولون تعددت الأسباب والموت واحد وللأسف لم يعد يكفي الموت أن يكون واحدا .
أنه يأبى الا أن يأتي بصيغة جمع وحشية، مقيتة..صادمة في قسوتها ليس فقط على أهل من صعدت أرواحهم لبارئها برحمة ندعولهم بها ،وانما لضمير شعب بأكمله لم يعد يعلم من أين ستأتيه الضربة القادمة فحتى الموت على هذه الأرض أصبح مراوغا.
فهنا تلاشت حدود العمر المفترضة للحياة والموت .فيموت الرضع في مهدهم، وتموت الأمهات في حادث موت جماعي،ويقضي الشباب اليائس نحبهم غرقا ،ويعيش الأب ليثكل ابنه في تراجيديا مبكية.
وهنا تلاشت حدود الأماكن المختارة بيد الموت للحضور فيها، لم تعد تغريه لحظات الغفلة و»التغافل» عن كل ما نبتليه على طرقاتنا البرية، ولا عناد المغامرة لشباب «حارق»على قوارب الموت البحرية ، فاذا به يتسلل لصا شبقا عبر باب مشفى بني أساسا لنستقبل به الحياة ،متنكرا في جرعة دوائية فاسدة ،ومراوغا (ملائكة الرحمة) ليقنص أرواح (طيور الجنة).
ومع كل فاجعة نطرح نفس الأسئلة: من؟ كيف ؟لماذا ؟وماذا بعد ؟
ولنجد دائما نفس الأجوبة :الموت قضاء وقدر..ورغم ذلك اليكم لجنة تحقيق..لجنة تدقيق..لجنة محاسبة..كبش فداء..مجلس تأديب..وفي النهاية الحل السحري: خير دواء النسيان .
وكيف لنا بالنسيان والمقابر لم تعد تحفر فرادى وانما بالجملة. مقابر جماعية بكل معنى الكلمة في اقتباس لما نشاهده في بلاد بعيدة ،هناك حيث يعبث الارهاب والتطرف.
ولنتساءل : وهنا من يعبث بأرواحنا ؟بلقمة عيشنا ؟بمستقبل أولادنا؟وبمصير وطن بأكمله؟
أهوالعبث بتطبيق القوانين المنظمة لكل القطاعات وخاصة الحيوية منها كالتعليم، الثقافة ،الصحة ،النقل ،والتشغيل وبشكل دقيق يأخذ كل الاعتبارات محمل الجد .أم أنه التقصير في بناء منظومات اجتماعية عادلة تراعي خصائص الفئات العاملة المختلفة أيا كانت وتأخذ بالحسبان ليس فقط ظروف العمل وانما أيضا التوعية والتوجيه .أهوالعبث بقيم مجتمعية بديهية تقوم على قدسية العمل والضمير المهني ،عبث جعل من الاستهتار ، اللامبالاة وعدم الاتقان مرجعياتنا اليومية نمارسها بلا أدنى تأنيب للضمير .أم هوعبث نخب سياسية أمعنت في سلخنا بسياط خطاباتها الطوباوية المتعجرفة، ولا تفتىء تطل علينا من علومصالحها الحزبية والشخصية لتراقب الوطن في موته السريري دون أن تموت حياء أوحزنا عليه.
مع كل شروق شمس أصبحنا نتوجس من سماع النشرة الاخبارية الصباحية .لم تعد تخيفنا الكوارث الطبيعية بقدر ما تخفق قلوبنا هلعا من قادم مصائبنا البشرية..تسونامي حوادث الموت الجماعي وجرائم القتل، الاغتصابات والسرقات،التحرش
بأنواعه،العنف بأشكاله،دون الحديث عن الجرائم الأنيقة والتي يسمونها الفساد، الرشوة،المحسوبية،المحاباة ولطول القائمة يجتاحك احساس بأن هناك سوسا فتاكا ينخر بشراسة دواليب حياتنا الاجتماعية ،الفكرية،الاقتصادية والسياسية، ويقود البلاد الى سرير الموت.تؤلمك فكرة ساذجة كيف لوطن كل ما فيه يغريك بالحياة :الأرض الخصبة، المناخ المعتدل، الطيبعة الساحرة، النسيج المجتمعي المتجانس دينيا وتاريخيا، القيم الاجتماعية النبيلة كالتسامح والاعتدال، الثروات الطبيعية ،والمخزون البشري الثري والمتمثل في الذكاء الفطري، اليد العاملة الفتية والكفاءات العلمية القيمة .كيف لهذا الوطن الناضح بالحياة أن يفترش سرير المرض ؟؟ ولتصل الى نتيجة دراماتيكية : انه وطن يموت رغم كل أسباب الحياة ، ويحيا رغم كل أسباب الموت.!!
لن يكفي اثر كل فاجعة أن نعلن في تونس الحداد الوطني. فدهر حداد لا يطفىء لوعة أي مصاب جلل.
لا أن نقف دقيقة صمت ترحما على أرواح الضحايا فصمتنا أصبح أشبه بصمت القبور.
ولن يكون من النزاهة أن نتبادل أصابع الاتهام .وسيكون من الجبن النأي بالنفس عما يحدث وقذف الاخرين بسهام الاتهامات لسبب بسيط : هوأن الكل مذنب، والكل متهم من موقعه مهما علا أوصغر شأنه.وليبقى السؤال الأهم:وما الحل؟
لسنا بحاجة الى مزيد من القوانين والدساتير، ولا من الأحزاب والجمعيات ،ولا من النخب السياسية والمرجعيات الفكرية ، ولا من البرامج الاجتماعية والاقتصادية، ولا من حرية التعبير والديمقراطية، ولا من الحريات الفردية والجماعية ولا لمزيد من المنح والقروض الخارجية،ولا من الوعود المعلقة والتطمينات المشبوهة.
تونس بحاجة الى ميثاق أخلاقي ..فردي ومجتمعي صارم يمنح سلوكياتنا ،تعاملاتنا، انجازاتنا ،أعمالنا وأقوالنا بعدا انسانيا صادقا يرقى بالمصلحة الفردية الى مصلحة المجتمع والوطن ويسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية ،كأن يسمي الفساد خيانة وطنية والتغاضي عن تطبيق القانون اعتداء على حق المجتمع.
ميثاق أخلاقي غير مكتوب ولكنه محفور في الصدور منذ نعومة الأظافر ومع أولى حروف الابجدية.
ميثاق أخلاقي ما أبعدنا عنه في زمننا هذا ولكن لن تستقم الأمور الا به ،والا سيتواصل نزيف الوطن من أبنائه وثرواته ليتحول الى مجرد مقابر جماعية برهن الايجار !!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.