منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود"    من تطاوين: وزير التربية يشرف على انطلاق مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية    عاجل/ ارتفاع حصيلة القتلى الاسرائيليين بالضربات الصاروخية الايرانية    "سيطرنا على سماء طهران".. نتنياهو يدعو سكان العاصمة الإيرانية للإخلاء    حماية حلمها النووي ..إيران قد تلجأ إلى النووي التجاري ؟    تعيين التونسية مها الزاوي مديرة عامة للاتحاد الافريقي للرقبي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    وزير الصحة: مراكز تونسية تنطلق في علاج الإدمان من ''الأفيونات''    عاجل/ إضراب جديد ب3 أيام في قطاع النقل    الشيوخ الباكستاني يصادق على "دعم إيران في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية"    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    كهل يحول وجهة طفلة 13 سنة ويغتصبها..وهذه التفاصيل..    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    كأس العالم للأندية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة فلامنغو البرازيلي    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    "صباح الخير يا تل أبيب"!.. الإعلام الإيراني يهلل لمشاهد الدمار بإسرائيل    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ محمد الطالبي ل«الشروق»: هكذا غادرت الوزارة و دخلت في المعارضة الفعلية
نشر في الشروق يوم 09 - 02 - 2011

محمد الطالبي أستاذ جامعي وعالم اسلامي تونسي ولد في تونس العاصمة سنة 1921. أول عميد لكلية الآداب في جامعة تونس في عام 1955، التحق بالجامعة التونسية حيث درّس التاريخ الاسلامي في كلية الآداب والعلوم الانسانية، قبل أن يشغل منصب عميد لنفس الكلية في السبعينات. تولى في الثمانينات رئاسة اللجنة الثقافية الوطنية. وانضم الى المجلس الوطني للحريات في تونس (ضمن المنظمات غير الحكومية الغير معترف بها من قبل الحكومةالسابقة في عام 1995). وقد دعا الى القراءة من ناقلات القرآن الكريم الذي هو مراعاة القصد من الكتاب المقدس وليس الأحكام الصادرة في حقبة ماضية، له العديد من المؤلفات تبحث في فكر اسلامي معاصر. أثارت أغلبها جدلاً كبيراً خاصة الكتاب الأخير «ليطمئن قلبي» وفي انتظار حوار حول كتابات الأستاذ محمد الطالبي وحول كتاباته ونظرياته، نتحاور معه اليوم حول نظرته للثورة في تونس، وما تعرض له من اقصاء وتتبعات وتهميش من طرف النظام البائد..
٭ هل كنت تتوقع مثل هذه الثورة ؟
لم أكن أتوقعها ولا اعتقد أن هناك انسانا توقعها، باغتت الجميع، وهناك مثل يقول: «تعدى على واد هرهار وما تتعداش على واد ساكت» لم نكن نعي في تونس أن هناك واد ساكت يباغت مباغتة قوية شديدة وعنيفة. لكن بشكل نسبي، اليوم الأول عندما شاهدت محمد الغنوشي وعلى يمينه عبد الله القلال كنت متشائماً لأنه جلاد تونس واليد اليمنى لبن علي، لكن أظن أن الانسان يعسر عليه أن يحكم على الأشخاص وعلى نواياهم المسبقة، ما يعلم ما في القلوب الا علام الغيوب، ثم اسناد ست وزارات السيادة فيها لشخصيات من الحزب القديم، جعلني متشائماً جداً، لم يكن عندي أمل الا ببقاء ضغط الشارع الذي كنت أخشى أن يتلاشى، لكنه دام وأظن أن ذلك جعل محمد الغنوشي يغير سياسته الأولى، ولوبقيت الوزارة الأولى وتمكنت لكانت بدون شك ديكتاتورية بن علي دون بن علي. اليوم فيما يبدو تغير وضع الوزير الأول راساً على عقب، وقام بأعمال توحي على الارادة الصادقة للتخلص من الوضع القديم، تطهير وزارة الداخلية، تغيير الولاة، اسناد الوزارات الى تقنيين لم يكونوا متورطين في النظام القديم، كل هذا يجعلنا نتفاءل خيراً ونقول عفا الله عما سلف، وكما قال يوسف لاخوته في كتاب الله «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين» الغنوشي يدعو إلى المصالحة الوطنية مع عقاب المجرمين وهذا هو الأفضل، يمكن أن نعطيه فرصة وأن يغتنم الفرصة كي لا نترك بلادنا تدخل الفوضى، لأن الثورة التونسية عندما قامت كانت عفوية اندفاعية بلا دفاع ولا هيئة مسيرة، وكنت أخشى أن تعود هذه الثورة الى فوضوية، ثورة بلا رأس، الفوضوية متوقعة، والنهب متوقع، والأعمال الاجرامية متوقعة، لم يحصل شيء من ذلك الا القليل لكن المصالحة الحقيقية هو اقامة ديمقراطية حقيقية لا لبس فيها، والرجوع عن قتل أمة جعل منها الرئيس الهارب ما سميته في جريدة الحياة «أمة حميرية» تنهق نهيقا واحداً بأمر واشارة رئيس قتل شعباً، اذا ما حقق هذا الوزير الأول طموحاتنا نكون له من الشاكرين، لأنه وقانا من الفوضوية والفراغ السياسي، وأشوم ما يكون على أمة هو الفراغ السياسي، والفوضوية هي أبخس ما قد ينال أمة. لنقل للغنوشي عفا الله عما سلف، ولنتصالح لمصلحة الشعب وسيادة الشعب بلا مراوغات أو ملابسات، ولعله من الأفضل أن لا يترشح مرة أخرى، وكما ساند الديكتاتورية يمكن أن يكون من بناة الديمقراطية، وأرجو أن يحتفظ له التاريخ بذلك، لعله كان من المضغوطين عليهم في النظام الديكتاتوري القديم، لأن الرجل كما عرفته قديماً كان نقياً ونظيفاً وبقي كذلك، الظر وف التي يجب في يوم من الأيام أن نكشف عنها اضطرته أن يخدم ديكتاتورا أحمق وغبيا وسارقا.
٭ هل الشعب مؤهل للتعامل مع الديمقراطية؟
- أعتقد ذلك، أغلبية الشعب التونسي متعلم، ربما ليسوا جميعاً مثقفين لأن الثقافة درجة عالية جداً، ولا يكفي التعليم كي يكون الانسان مثقفاً، الثقافة تربية وحضارة وتاريخ، والطبقة الوسطى التونسية عريضة، والشرائح المؤهلة لرفع تحدي التقنيات والتطور والنمو كثيرة، والنخب التي هي عالية التكوين، وفي مستوى عالمي موجودة، والدليل هو أن عددا مهما جداً من التونسيين يشغلون في الدول الراقية مناصب عالية، اذن لدينا ما يكفي من الكفاءات، يكفي أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية، وحوار حقيقي، كي تصبح هذه الطاقات منظمة وفاعلة وقادرة على خلق جو من التباري والتنافس في سبيل البلوغ الى الأفضل، لنا ارث ثقافي لا يقل سمواً عن أي ارث ثقافي عالمي، في عروقنا وفي جلودنا وفي أدمغتنا ارث حضاري يجعلنا نستطيع أن نخلق الحضارة لا أن نستهلكها، وأنا كمسلم أعتبر أن كلام الله أسمى ما يوجد في الكون ما يسمى الانسانية الأخلاقية العالية والقيم العالية نجدها في القرآن بكاملها، ولا نجدها في غير القرآن في الكتب المقدسة الأخرى. وأنا درست كل الأديان، وكتبت أخيراً كتاباً بعنوان «غزة» فيما يخص ما يوجد في الكتاب المقدس، وما يوجد في القرآن، وقد قمت بالمقارنة في هذا الكتاب، وقلت أننا أمة وسط لدينا مهمة وهي ادخال الحضارة والانسانيات في العالم، يجب أن نكون في هذا المستوى، وأن نترك مركبات النقص التي بثوها فينا وما زالوا يتحدثون عن الاسلام من أمثال الشرفي وأركون الذي تعاون مع بوش على العراق، وأذكر هذا للتاريخ، المؤرخ لا يهتم بالأشخاص، عندما يؤرخ لمعاوية أو ليزيد لا يقول إنهم ماتوا، يجب أن يؤرخ له، بما هو عليه، وما عليه أكثر مما غليه، وان كان له ما اليه، يجب أن يقوم المؤرخ بواجبه نحو الأمة حتى لا تسقط من جديد في الخطإ، يجب أن نقول في هؤلاء البشر الذين سودوا سمعة الاسلام، عندما يكتب عبد الوهاب المدب كتاباً عنوانه «داء الاسلام» كيف يمكن أن نغفر ذلك. ويقيني أننا في تراثنا الحضاري ما يجعلنا من المقدمة، كنا الأوائل في علم الجبر وعلم المرئيات والصفر من تراثنا وبلا صفر لا علم قط . لنا رصيد من الفخر ما شأنه أن يزيل عنا المركبات التي تقتل المواهب ويعطينا ما نحتاج اليه من أنفة واعتزاز بالنفس، ويجعلنا من المبتكرين مع التواضع، علماؤنا يختمون كتاباتهم مهما كانت محكمة بعبارة «والله أعلم». وأنا مطمئن على تونس ومطمئن على العالم العربي بالرغم ماهو عليه اليوم بحكم الحكام لا بحكم الشعوب، وقد دق جرس الطغاة لخروجهم عن طواعية أو عن غير طواعية من طغيانهم، وترك المجال لطاقات الأمة الواسعة والعريضة، أمامنا القفزة التي قفزتها أندونيسيا وهي أكبر بلد اسلامي، لتتصدر مقدمة الأمم الراقية لأنها عرفت كيف تقذف بالطغاة الى النسيان، وأن تعوضهم ببناة الحضارة والانسانية.
٭ ما رأيك في الاسلاميين اليوم؟
رأيي في الاسلاميين أو ما يعبر عنه في تونس بالخوانجية، هم ليسوا من النوع الذي نجده في البلدان الأخرى والذين يسمون أنفسهم بالجهاديين، لا يأتمرون على الناس بالسلاح، ولا يكونون عصابات ارهابية الى حد الآن. وشعاري «ديني الحرية» فلنترك لهم حرية التعبير وحرية الكلام، فليتكلموا . ولنتكلم نحن.
٭ لكن يمكن أن تسيطر السلفية على الخطاب الديني؟
أنا ضد السلفية، وكنت كتبت في ذلك عديد الكتابات، السلفية بلية عانينا منها المعاناة العديدة، الصحابة قتلوا بعضهم بعضا، يزيد بن معاوية ترك الجند يعبثون بالمدينة بحضور بقايا الصحابة، فقتلوا عشرات الآلاف واغتصبوا النساء اللاتي ولدن آلاف منهم بعد دخول يزيد، أنس بن مالك الذي يلقب نفسه «خادم الرسول» أثرى ثراء فاحشاً ويقول أبداً هل من مزيد، وسكت عن الخطإ كالشيطان الأخرس وهو يعلم أن «الساكت عن الحق شيطان أخرس» والسلفيون فيهم الصالح وفيهم المجرم والمفسد بل الكافر، وهؤلاء لا ثقة فيهم ولا ثقة في من ينتسب اليهم، اليوم هم يقومون بنفس الجرائم التي يعيبون عليها، اذن قلم بقلم وكلمة بكلمة . لكن يجب أن لا نحارب الأفكار بالسجن والتعذيب والقيد، ذلك يجعل منهم شهداء فيسري كلامهم في الناس سريان السم في الأضلع، لأنهم يصبحون شهداء الفكر، يجب أن ينزع عنهم هذه الشهادة التي ليس لهم الحق فيها، فهي شهادة أهل الخير والصفاء، يجب أن لا نجعل الناس تعتقد أنهم أقصوا وغيبوا وأننا تعاملنا معهم معاملة السوء، هم يتعاملون على الأمة ليعودوا بها الى الوراء، فحذار منهم، وأعتقد أن رجالنا ونساءنا عندما يعرفون الحقائق سوف ينفرون منهم، فهل سنقبل بقطع الأيدي، هل نقبل برجم الزاني والزانية، هل نقبل بوضع المرأة كما قال الامام الغزالي «المرأة وضعها الرق» لندعهم يتكلمون حتى نتمكن من فضح الموقف الكاذب في هذه الفترة المؤقتة.
٭ كنت من أنصار الفكر البورقيبي؟
ما زلت أذكر عندما عاد بورقيبة من المنفى، كنت العدد 35 من المجموعة التي وقعت دعوتهم لقبول بورقيبة مباشرة، بورقيبة كان الرجل الوحيد الذي مثل الرجولية آنذاك، كان محمود الماطري رئيساً للحزب، لكن بورقيبة قبل الدخول للسجن وأن يقود المظاهرات، كان لدينا ثقة في الحزب الدستوري الجديد، لأن الثعالبي شيخ زيتوني طيب القلب ومقاومته كانت الأولى، لكنها مقاومة صالونية لا يصل بها الى هدف، شاهدت العلماء يركعون للمقيم العام، والعلماء يكتبون لمساندة المؤتمر الأفخارستي في تونس، شاهدت الكثير من الخطإ، بما فيهم مشايخ الزيتونة، بورقيبة هو الذي خرج الى الشارع وجندنا للخروج، كنت في 9 افريل في ساحة القصبة، جرح ابن عمي وسقط، شاهدت الموتى، ولم يتأخر بورقيبة أو يتراجع، وعندما استلم الرئاسة قابلته العديد من المرات ومنحني العديد من الأوسمة، آخرها قبل الانقلاب، كنت جالساً وراءه شعرت بالحزن على وضعه الصحي والفكري لأنه لم يعد مسؤولاً، لم يكن يفهم ما يقال، أتوا اليه بقليل من حساء بالدجاج، أشفقت عليه . أنا من أنصار الفكر البورقيبي فيما يخص تحرير المرأة، وما زلت لليوم من أنصار المرأة قبل أي شيء آخر، فهي الأساس، اذا تحررت نتحرر، واذا ما زال وضعها الرق ذهبت جهودنا هباء، مستقبل المجتمع هو المرأة، أن تشعر بالمساواة والشرف والأنفة والقيم وتدخل الميدان مع الرجل بنفس الطموح والمسؤوليات والعمل. «هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ اِلَيْهَا»
كانت علاقتي مع بورقيبة علاقة طيبة، وعندما كلفت بمهمة رئيس اللجنة الثقافية لا بورقيبة ولا وزير الثقافة تدخلوا فيما يخص النشاط الثقافي، كنت أوجه دعوات من الخارج حسب ما أراه صالحاً من مواضيع أو أشخاص، لم يطلب مني أي معلومات، ولم يشترط علي أي شرط.
لم يكن هناك أي رقابة أمنية، في زمنه لم تكن الكتب توقفها مراقبة الشرطة، كانت جريدة لوموند تصل كل يوم دون مشاكل ، هو نفسه كان يقرأ يومياً لوموند.
٭ في رأيك هل كان بورقيبة ديكتاتورياً؟
أعترف أنه أسس بدايات الديكتاتورية، الحزب الواحد، والأمن الداخلي، كان ميقالومان، لكن ديكتاتوري مثقف، كان يجيد العربية، ويحفظ قصائد للمتنبي، كتبت في جون أفريك مقال «موت الذئب» قصيدة الفريد دو فيني التي كان بورقيبة يلقيها دائماً باللغة الفرنسية، كان ديكتاتوريا مثقفا يعرف حدود ديكتاتوريته، لم يكن هناك قسم مراقبة الفكر واضطهاده في وزارة الداخلية، وشرطة بورقيبة كان عددها ضئيل بالنسبة لما هو موجود اليوم.
٭ كيف استقبلت قدوم بن علي؟
في البداية خدعني بن علي كما خدع كل التونسيين، وعدنا بالديمقراطية، لكن بعد الانتخابات الأولى، تبدلت القضية بعد تدليس الانتخابات بمعية الهادي البكوش، عندما حمل النتائج الى بن علي 95 بالمئة، ساله بن علي: أليست النسبة مرتفعة، أجابه البكوش: ارادة الشعب، ويؤسفني القول أن الهادي البكوش كان تلميذي في باريس وكان انساناً طيباً، وعندما كان والياً في بنزرت كان انساناً محترماً وفي 89 أصبح بوليساً .
٭ كيف يمكن للانسان أن يصبح ذليلاً للطاغية؟
ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي.
٭ متى بدأت مشاكلك مع نظام بن علي ؟
عندما صدر كتاب «عيال الله» سنة 89 حجز، ربما لأنهم سألوني عن المزالي قلت: أنني عرفته في باريس، كان جاري وكانت فتحية مختار تأتي لزيارته، وكان في ذلك الوقت انسانا نظيفاً وقومياً ووطنياً، ولم أره منذ ذاك، تحدثت عنه كما عرفته في باريس، خصص لي أنس الشابي ثلاث صفحات بعنوان «محمد الطالبي خوانجي» دعاني وزير الثقافة وسألني: أنت على علم بالتهمة المنسوبة إليك، قلت: نعم، سأترك القميص وأرحل. وهكذا تركت عملي في الوزارة.وتركت المنصب للطاهر قيقة، وقلت للوزير: يمكنك القول على رؤوس الملأ أن الثقافة حرية، قال نبلغ ثم أدار وجهه ومضى. ودخلت في المعارضة الفعلية عبر مقالاتي في جريدة الحياة، ناداني مرة عبد الحق الهرماسي بسبب مقالة في الحياة، قال: الكلام خطير وتقع عليك المسؤولية، أجبته: أنا أتحمل مسؤولياتي وبلغ الرئيس أن رأسي على ذمته، وكتبت مقالاً بعنوان «رأسي على ذمته» لم يقع شيئاً لكن الشرطة أصبحت تلازمني طوال اليوم أمام المنزل. على الأقل أصبحت مطمئناً أنني لن أتعرض للسرقة.
٭ ما الذي كانوا يخشونه منك؟
لا أدري، كان عندي منزل صغير في المرناقية، أذهب اليه من حين لآخر، للكتابة، فيه سرير ولوازم تحضير شاي، علبة سيقار، وقليل من المكسرات، في احدى الزيارات وجدت أن المكسرات اختفت، وآثار شاي، وكأن البيت مسكون، انتبهت أن الباب مخلوع، ذهبت الى الشرطة برسالة احتجاج، نفوا كل شيء، مدعين أنني عملت الشاي ونسيت الباب مفتوحا، وبقي الأمر قرابة السنة، كتبت لهم ورقة أتهكم فيها على أمنهم ووضعتها على الطاولة «يا أيها الشرطي الكريم، أرجو منك أن تحترم المنزل، وأن تتصرف تصرفاً حسناً، وأعلمك أنني لست ممن يخفون مقاومتهم للسلطة» وفي النهاية فضلت تأجير المنزل.
٭ كيف كنت تواصل عملك الاجتماعي وأنت مراقب؟
كان يأتي الي أعضاء المجلس الوطني للحريات للاجتماع، كنا نخشى الشرطة، ونخشى وجود سماعات في المنزل، لأننا كل ما قررنا شيئاً وجدناهم سبقونا، ومن الحذر أصبحنا نكتب ما نريد.
٭ هل كانوا يستمعون لمطالب المجلس؟
كنا نحاول أن نعمل جدياً، خاصة تلك المرأة الصدوقة سهام بن سدرين، كنت رئيس الجمعية التي تولت الدفاع عن راضية النصراوي، وكان هناك وزير جامعي لحقوق الانسان، ذهبت في محاولة لاطلاق سراح حمة الهمامي رغم أنه في حالة هروب، بعد أن قامت ابنته باضراب جوع بسبب المداهمات الليلية والاغتصابات والتفتيش، وتخريب حياة عائلتها , ذهبت الى الوزير مع اللجنة، لكنه استقبلني بمفردي، قال «المسألة ليست في يدي، المسألة قضية عدالة، عندنا احترام للعدالة وهي مستقلة، وأنا كوزير حقوق الانسان لا يمكنني التدخل، لكنني اتصلت بزميلي وقال إن حمة الهمامي لابد أن يسلم نفسه ثم ننظر في قضيته» هل هذا كلام معقول، أين استقلال القضاء؟ أنت مسؤول عن حقوق الانسان تدخل ودافع عنه، أرادوا خطفه فهرب، واذا كان للعدالة عليه مأخذ فلتشرحه، وفي الموعد الثاني قال: استشرت وليس هناك حل، لا بد أن تحكم المحكمة بالبراءة حتى يطلق سراحه .
٭ ذكرت أن مشاكلك الحقيقية أن النظام لم يرغب في وضعك في السجن ؟
نعم، في احدى المرات كان الطلبة المتحصلين على الكابيس، ويشاركون في مناظرة، لايمكنهم الحصول على نتائجهم، وزارة التعليم العالي تقدم النتائج الى الشرطة أو أين تباع النتائج، ذهبت معهم للاعتصام أمام الاتحاد العام للشغل، جلسنا أرضاً، أتى الأمن وبدأ يحملهم للسيارة، قلت لهم: وأنا، أجابني البوليس: آش نعمل بيك .
٭ كتابك القادم عن الظلم والقمع في تونس ؟
كتابي المقبل كتبته سنة 2008، عن عشرين سنة من حكم بن علي «القولاق والديمقراطية» بدأت كتابي بكلمة «أنتيجون» التي قبلت أن تموت في غار بعد أن بنوا عليها جداراً، وذلك لارضاء ضميرها، هذه المرأة خلدت درساً هو أن حكم الضمير هو أهم حكم، وأن لا ديمقراطية اذا لم تكن هذه الروح في الانسان. أخرجت الكتاب اليوم وكتبت مقدمته وسأقدمه للنشر قريباً.
٭ حاولت بعث مجلة للبحوث الاسلامية؟
أردت بعث مجلة «مقاصد» وهم لم يرفضوا الطلب لكنهم يقولون أن ضمن هيئة التحرير هناك شخص مشبوه فيه، نطالب باسمه فيرفضون، طلبنا ورقة من أنها مجلة غير مرغوب فيها، يقولون لا ليس لدينا أي اعتراض.
٭ هل تفكر اليوم ببعث هذه المجلة؟
لم يعد لدي صحة لمجلة، ولانشاء مثل هذه المجلة، لا بد من مسلم قرآني وغير سلفي، لا بد من العبادات والقيم الاسلامية، وهو ما يمثله القرآن، الشريعة كتبها الناس، مجلس منتخب بصفة شفافية هو الذي نص القوانين، وليس العلماء الذين في جلهم خبثاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.