ارتبط اسم فتحية خيري على امتداد مسيرتها الغنائية بالعديد من الشعراء الذين صاغوا لها احلى واروع النصوص التي صنعت مجدها الفني.. ويبقى عبد الرزاق كرباكة على راس هذه القائمة.. فقد كانت له مكانة خاصة لدى فتحية خيري ومن أشهر ماكتب لها « هونية والدنيا هانية» و»بابورينوسرى عالنسمة» و»يامحرمتها» و»ياهاترة بالعين» و»كسرت الكاس»و»ماثناها» وغيرها من الانتاجات هو عبد الرزاق بن البشير بن الطاهر كرباكة الشريف العبادي، مؤلّف مسرحي وصحفي وشاعر بالفصحى والدارجة. أصله من كرباكة شمال بالأندلس، ومنها هاجر أهله إلى تونس مع آخر المسلمين المطرودين سنة 1609م، فحافظت عائلته على لقبها المذكّر باعتزاز بالأصل، كما حافظت على صناعة الشاشية. وعبد الرزاق كرباكة من مواليد سنة 1898 بتونس حيث زاول دراسته الابتدائيّة بالمدرسة القرآنية، ثم انتقل إلى المدرسة العرفانية فاكتشف مديرها ذكاءه وشغفه بالأدب فاعتنى به، ثم نقله إلى جامع الزيتونة. وفيه تخرّج بنجاح بفضل عناية الشيخ محمد مناشو به وتأثيره فيه، وهو ما اتّضح في لغته وأسلوبه الأدبي. ولكنّ شيخ الاسلام الحنفي حميدة بيرم حرمه من شهادة التطويع لما بلغه من ميله إلى الفن واستهتاره على طريقة جماعة «تحت السور». تولّى عبد الرزاق كرباكة التدريس بمدرسة محمد مناشو ثمّ شغل مناصب إدارية مختلفة. شغف بالمسرح وألّف عدّة روايات مثّلت، منها «ولاّدة وابن زيدون» و»عائشة القادرة» و»أميرة المهدية»، كما نشر في الصحف والمجلاّت التي زخرت بها تونس في الثلاثينات من ق 20م. من ذلك فصول بعنوان «حديث الثلاثاء». وأشرف على تحرير «الزمان» منذ 1922. وفي غير هذا المجال دعا إلى تأسيس نقابات للصناعات والحرف، فتمّ له ذلك رغم مقاومة السلطة الاستعمارية. عاش كرباكة نشيطا بالفكر والقلم، وترك تراثا زاخرا نثرا وشعرا. وأجود نظمه من الشعر الملحون، إذ له فيه أزجال وموشحات وأغان خالدة شدت بها أشهر الأصوات التونسية في الحفلات العامّة وعلى أمواج الإذاعة. ولئن تنوّعت مشاركاته في المجالين الثقافي والاجتماعي فإن أحبّ الفنون لديه كان المسرح. وهو ما جعله سنة 1919 ينضمّ إلى جمعية «الشهامة العربية». وبعد موسم كامل انفصل مع بعض الممثلين ليكوّن جمعية «الهلال» المسرحية. ثم أسّس مع محمود بن عاشور ومحمد عزّ الدين المغنّي المصري وحبيبة مسيكة فرقة مسرحية أخرى سنة 1921. وهي أوّل فرقة مسرحية تونسية تسافر للعرض بالجزائر والمغرب وتسهم في تركيز المسرح به.