عرف المشهد العمراني لمدينة توزر خلال فترة العصر الوسيط مرحلتين فخلال المرحلة الأولى التي امتدت من القرن السابع إلى القرن الثاني عشر حافظت المدينة على هيكلتها الموروثة من الفترة ما قبل الإسلامية مع تكوين أرباض واسعة وهائلة ، أما المرحلة الثانية والتي تواصلت إلى القرن الخامس عشر فقد اتسمت بتوسع المدينة وتعدد نواتاتها العمرانية فهي بالتالي مرحلة العمران المتشتت وفق تعبير الأستاذ ذاكر سيلة في أطروحته لنيل شهادة الدكتوراة في علوم التراث « المعمار والتعمير ببلاد الجريد من القرن 16 إلى القرن 19 « - المرحلة الأولى من القرن 7م إلى القرن 12 م بعد التغلّب على البيزنطيين وإخضاع سكانها استقرّ المسلمون منذ نهاية القرن السابع في موقع بلد الحضر ، فالاستكشاف الذي قمنا به لم يؤد إلى شواهد تعمير إسلامي تعود إلى الفترة الوسيطة وفق تعبير الدكتور ذاكر سيلة ، ويمكن تفسير هذا الاختيار بأهمية نواة بلد الحضر وتوفر مياهها وامتداد مساحة الواحة المحيطة بها مما يوفر لها إطارا خصبا ومحصنا مقارنة بالنواة الثانية التي كانت بعيدة عن الواحة ومعرضة أكثر للهجومات . بدأ تعمير المدينة ببناء الجامع الكبير الذي وصف بالشريف وبالمحكم البناء وبأنّه من أحسن الجوامع ، وقد اشتهر هذا الجامع بمنارته المميّزة التي تحمل جامورا متكوّنا من أربع قباب صغيرة لا نجد لها مثيلا خارج بلاد الجريد إضافة إلى محرابه الفريد ذي الطراز المغربي الأندلسي والمؤرخ بسنة 590 ه/ 1194 م . يوجد هذا الجامع في نقطة تقاطع طريقين يفضيان إلى مدخل المدينة وهما طريقان ورثا المحورين المميّزين للمدينة القديمة وبالتالي فإنّ توزر الإسلامية وريثة توزروس الرومانية البيزنطية في تخطيطها ، أمّا المداخل فهي توافق الأبواب الأربعة التي أشارت إليها مصادر العصر الوسيط ، والتي مازالت الذاكرة الجماعية تحتفظ بتسمياتها وهي « باب السور» الذي يوافق المدخل الشمالي للمدينة ، و» باب جاور» الذي يوافق مدخلها الجنوبي حيث تواصل استعمال هذا الاسم لأحد المصارف المائية المتواجدة على حدود هذا المدخل ، و»باب القصيبة « في الجهة الغربية والذي يوجد قرب « سانية القصيبة « التي من المرجّح أنها كانت موقعا لقصبة المدينة التي أشار إليها ابن شباط و» باب الحشيش « في الجهة الشرقية وكان يربط بين هذه الأبواب سور المدينة الذي كان مبنيا بواسطة الحجارة والطّوب واتّسم بحصانته خاصّة بفعل قربه من النخيل . عرفت المدينة خلال هذه الفترة بحركيتها الاقتصادية حيث تعدّدت أسواقها ومن بينها سوق الخزارين الذي كان يوجد شرقي الجامع وقد ارتبطت هذه الحركية الاقتصادية بوفرة منتوجاتها الفلاحية وأهمية نشاطها التجاري والحرفي فقد كانت كما وصفها ابن حوقل في القرن العاشر « من السعة والبيوع والأشرية في الأسواق وكثر الوارد والصادر عليها ملتمسين للمير والتجارة بما لا يدانيها فيه مدينة مما قاربها « . وقد احتوت المدينة داخلها على قصبة ربما كانت خاصّة بحكامها وحاشيتهم مثلما هو الأمر في نفطة والحامة ، أما خارجها فقد امتدت أرباضها التي سكنتها مجموعات بشرية متنوعة الأصول ، فقد ذكرت المصادر أنهم كانوا من بقايا الروم الذين أسلموا حين الفتح ، ومن الأفارقة والبربر ، وكذلك من العرب الذين سكنوها بعد الفتح ، وقد أدّى هذا التنوّع السكاني إلى توسّع مجال المدينة حيث تصفها مصادر هذه الفترة بال» كبيرة» وبكونها ذات « أرباض واسعة وآهلة « كما يبدو كذلك أنّ هذه الأرباض كانت منتظمة حسب أحياء أو دروب يخصّ كلّ درب منها مجموعة بشرية محدّدة ذكرت منها المصادر مثلا « درب الغلامسيين « و» درب بني مبدول « . المرحلة الثانية : من القرن 13م إلى القرن 15 م شهدت مدينة توزر خلال هذه الفترة مزيدا من التوسع حيث استقطبت مجموعات عربية جديدة تنتمي خاصّة إلى مرداس التابعة لبني سليم ونتيجة لتزايد عدد سكانها أصبح للمدينة جامعان للخطبة بعد أن كان لها جامع وحيد قبل هذه الفترة وخلقت نواتات عمرانية جديدة خارج حدود المدينة التي لم تعد قادرة على استقطاب الأعداد المتزايدة من العرب وذلك نتيجة الطبيعة الطبوغرافية للموقع المحاط بالواحة وقد تميزت مساكن هذه النواتات بالحسن والضخامة وربما كان ذلك نتيجة استفادتهم من الاقطاعات التي منحها إياهم بنو يملول حيث يذكر ابن خلدون في هذا الشّأن «واستولى ابن يملول على توزر واستنفذ ما معه وما استخرجه من ذخائرهم بتوزر في أعطيات العرب « وقد تواصل هذا المسار المتمثّل في تعدّد النواتات العمرانية بالمدينة مع خلق نواة جديدة خارج الواحة وذلك في نهاية القرن الخامس عشر وهي « ربط فطناسة « أو حي أولاد الهادف والتي سيتدعّم وجودها كقسم منافس بجدية للقسم الأول وذلك منذ القرن السادس عشر . المصدر : أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة في علوم التراث -ذاكر سيلة جامعة تونس كلية العلوم الانسانية والاجتماعية