بلغ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غاية الحِلْم والعفو، والسُّنَّة النَّبويَّة حافلة بمواقف الرَّسول الكريم في الحِلْم، ومِن ذلك: - قصَّة الأعرابي الذي جبذ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بردائه جَبْذَة شديدة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه بردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجبذه بردائه جبْذَة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت بها حاشية البُرْد مِن شدَّة جَبْذَته، ثمَّ قال:يا محمَّد! مُرْ لي مِن مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ ضحك، ثمَّ أمر له بعطاء» (البخاري). - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلا أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ، فهمَّ به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه فإنَّ لصاحب الحقِّ مقالا». ثمَّ قال: «أعطوه سِنّا مِثْل سِنِّه». قالوا: يا رسول الله، لا نجد إلَّا أمثل مِن سِنِّه، فقال: «أعطوه، فإنَّ مِن خيركم أحسنكم قضاء» (البخاري). - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كأنِّي أنظر إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يحكي نبيّا مِن الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدَّم عن وجهه، ويقول: ربِّ اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون» (البخاري). قال النَّوويُّ: «فيه ما كانوا عليه صلوات الله وسلامه عليهم مِن الحِلْم والتَّصبُّر والعفو والشَّفقة على قومهم، ودعائه لهم بالهداية والغفران، وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم بأنَّهم لا يعلمون، وهذا النَّبيُّ المشار إليه مِن المتقدِّمين، وقد جرى لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم مثل هذا يوم أحد» .