تونس «الشروق»: انطلقت فعاليات الدورة الرابعة للتظاهرة الثقافية الرمضانية «ليالي الصالحية» بالمركز الوطني للاتصال الثقافي، يوم السبت 18 ماي الفارط بعرض افتتاح أمّنه الفنان فوزي الشكيلي. وكان الموعد في اليوم الموالي مع عرض له حكاية إنسانية بحتة دوّنها صاحب العرض كالآتي: «رئيسة جمعيّة رؤيا لفاقدي وضعاف البصر ڤالتلي إلّي كانت عندهم منحة سنويّة، وكيف جات الثورة تنحّات، عالكلمة هذي قرّرت باش نغنيلهم حياتي الكل مادام مازال عندي صوت (...) وكمْ من كفيفٍ بصيرِ الفؤاد... وكم من فؤادٍ كفيفِ البصر (أبو العتاهية).. ومن هذا المنطلق لم تكن سهرة 19 ماي 2019 سهرة عادية أولا لنبل المناسبة وثانيا لقيمة الفنان، فالحفل خصصت عائداته لفائدة جمعية رؤيا لفاقدي وضعاف البصر.والفنان هو ياسر جرادي الذي لم يغن فقط ليلتها، بل كان انسانا حاملا معه ذكرياته وهشاشته ودموعه. وحين يحضر الانسان تعود الموسيقى الى مدارها السليم، فتحدث جرادي بكل تلقائية بعد كل فاصل عن الاغنية التي سيؤديها فاستحضر سبينوزاوطاغور وشمس التبريزي وعشرات الذين الهموه، فضلا عن حب اميرة زوجته وحب حياته وكيف كانت الاغنية سلاحه لتمتين علاقته بها. عرض ياسر جرادي كان ناجحا على كل المستويات إنسانيا وفنيا وعلى مستوى الحضور الجماهيري، مثلما كان الحال في عرض الافتتاح مع الفنان فوزي الشكيلي، لكن من حضر لاكتشاف عرض «من النوى» ليلة أول أمس، لم يكن يعلم أنه سيستمتع بالمواويل وبروائع الأغاني التونسية والعربية بصوت تونسي خالص قوي وعذب، اكتشفه الجمهور في الصائفة الماضية وقدمته أمينة فاخت في عرضيها بمهرجان قرطاج الدولي، وهو الصوت الرائع محمد علي شبيل. عرض «من النوى» بطلاه جهاد خميري (عازف بيانو) ومحمد علي شبيل، هذا العرض عنوانه يدعوك لاكتشافه، هل المقصود بالنوى البعد، أو المقام؟ أم هو عنوان أغنية من العرض؟ هو كل ذلك، هو عرض جمع الفرقاء وقرب ما بعد من الالوان الموسيقية فيرحلة عبر الزمن، وانصهار بين عالميْن موسيقيّين، مختلفين، انصهار بين المالوفالتونسي، والموسيقى التقليدية التونسية وأنماط موسيقية أخرى عربية وعالمية، بأداءوتوزيع للأغاني وللمقطوعات الموسيقية، مميز ومتفرد للصوت الطربي الرائع محمد علي شبيل، فكانت بداية الرحلة بألحان خميس الترنان «يا الي بعيدة علي»، مرورا بموال من انتاج خاص و»كيف العمل» وقوفا عند «ألف ليلة وليلة» لكوكب الشرق، قبل الوصول إلى أغنية «من النوى» و»في البريمة» و»يالقومي» (أحمد الوافي) ومنها إلى «عل باب دارك نصبوا الخيام» وصولا إلى فيروز وأغنيتها «يلا تنام»... هذه الرحلة وما سبقتها من محطات فنية تنم عن ذوق منظمي «ليالي الصالحية»، أفسدتها في الواقع، أو كادت، السهرات اليومية بالمقهى الموجود بنهج بن عروس أمام الباب الرئيسي للمركز الوطني للاتصال الثقافي، ورغم التشكيات منذ الدورة الفارطة، إلا أن الحال مازال على ما هو عليه، وتضطر لسماع الطرب والموسيقى الراقية في خليط مع الموسيقى الصاخبة لأغاني المزود خارج فضاء المركز.