وهنالك فريق آخر يؤمن بالآخرة وهم لا يعتقدون أنّهم «ضعاف العقول» ومشكلة العقاب مطروحة بالنسبة لهم بطرق مختلفة وتبقى في الأخير مرتبطة بثنائيّة الخير و الشرّ فالمسألة ما ورائيّة أي هي موجودة خارج العالم المادي هذا العالم الذي نعيشه ونلمسه وهذه المسالة تطرح على كلّ مستويات الفكر البشري في كلّ الفلسفات و الديانات فهي ليست من خصوصيات الإسلام لكن الفكر الإسلامي تمسّك بها وأفْرَدَ لها كتابات كثيرة.فالمسألة مطروحة إذن ونحن المسلمين سنواصل طرحها ولنُقِرّ من الآن أنّه لم يأت لها أي كان بحلّ نهائي ومقنع لكلّ الناس. وبقينا جميعا أمام الغموض الشاسع للخلق وللعالم. فبالنسبة لنا المسلمون الفرق واضح بين الوجود و الماورائي إذ عمليّا الوجود هو الفضاء المادي هو الحياة على الأرض ومن منطلق قراءتنا للقرآن الذي يَأمُرنا بأن نجعل من الأرض مرفأ للسلم لكلّ الناس مهما اختلفوا المؤمنون و غير المؤمنين فنحن قادرين على أن نؤسّس بالسلم والتعاون مع كلّ الناس الذين يشغلهم السلم لبناء «عالم سلام» في حياتنا المشتركة على الأرض. هذا بالنسبة لعالمنا الأرضي أمّا العالم الماورائي الذي فيه العذاب والذي لا يتقاطع مع عالمنا الوجودي الذي هو واحد لكلّ البشر على الأرض أمّا الماورائي الذي هو غير موجود بالنسبة لغير المؤمنين والذي هو حقيقة مؤكّدة للمؤمنين فلنتركه للغيب أمّا على العنف في القرآن فالله هو السلم وهذا الذي يشغلنا على الأرض. فبالنسبة لنا القرآن ليس كتاب عنف ولا يهمّنا ما يراه الآخرين حيث أنّه بالقرآن وانطلاقا منه نُؤسّس السلم للعالم أمّا مسالة العنف في القرآن في الدار الآخرة فلا يهمّ إلّا المسلمون فالإشكال مطروح عليهم وحدهم وهي بالنسبة للمسلمين لم تبقى بدون حلّ مقنع ولا يهمّنا إن كان هذا الحلّ لا يقنع غيرنا إذ ليس هنالك حلول تقنع جميع النّاس فلكلّ واحد –إن رغب- أن يفتّش عن حلّ له وإن هو لم يرغب في ذلك فهو حرّ أن لا يفتّش عن حلّ فلكلّ إنسان أن يتمتّع بواقعه و يضع قفلا على الماورائي لكي لا يعكّر صفو حياته فالراحة الماديّة ممكنة على الأرض وهي للجميع وللكلّ أن يأخذها كما يريد فالمثل الصيني يقول :»لا يهمّ أن يكون لون القطّ رمادي أو أبيض المهمّ هو أن يصطاد الفئران. «فنحن السلمون بعد أن قلّبنا الموضوع من كلّ جوانبه مثل -إبراهيم عليه السلام- وضعنا في الأخير ثقتنا في الله السلام الرحمان الرحيم إذ يقول للإنسان أنت مخلوق فوق العادة لم تعد مثل بقيّة الحيوانات وفكرك وصل إلى درجة من النضج تجعله قادر على التفكير و قد أردتَ أن تكون حرّا فها أنت حرّ لكن لا تنسى أنّ الحريّة لها ثمن إذ عندما تستعمل حريّتك قد تصنع سعادتك أو شقائك كما يمكنك أن تختار أن لا تستمع لتحذيراتي رغم أنّ تحذيرات الرحمان الرحيم هي تحذيرات الأمّ لابنها لقد تعمّدتُ فعلا أن تكون تحذيراتي «مفزعة» لتُوقظ فكرك لكي تتدبّر حيث أنّك طفل وصل في حركة التطوّر المتواصلة إلى سنّ الرشد لقد أرسلت لك كثيرا من الرسل للحديث معك وليذكّروك أنّي خالقك ويحذّروك ضدّ المخاطر التي تتربّص بك و لأقول لك أنّك سوف ترجع إليّ وكان هذا خاصة مع آخر رسول لي وإنّ الحوار بيني و بينك لم ينقطع وذلك بالتوجّه لعقلك لإقناعك بدون إرغامك وحتى لا أترك لك أيّ حجّة عليّ لكي لا تقول الرحمان الرحيم نسيّني وتركني وحيدا وفي الختام أترك لك أن تختار بكلّ حريّة مصيرك ويختتم الطالبي هذه الفقرة بالاستشهاد بالقرآن و يؤكد على أنّ الاستشهاد بالقرآن هو بالطبع للمؤمنين فقط.وأْورد البعض ممّا أستشهد به الطالبي على أنّ الله رحيم بعباده وأوّل شاهد أدرجه تحت عنوان«الله يبشّر ويحذّر» حيث ذكر من سورة الأحزاب:» يا أيّها الذين آمنوا أذكروا الله ذكرا كثير وسبّحوه بكرة و أصيل هو الذي يصلّى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيم تحيّتهم يوم يلقونه سلام وأعدّ لهم أجرا كريما يا أيّها النبيّ إنّا أرسلناك شاهدا ومبشّرا ونذير».و تحت عنوان «حتى لا يكون للناس على الله حجّة ّذكر الطالبي من سورة النساء الآيات الآتيّة:» إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيّين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبور ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكَلّم الله موسى تكليما رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما.» .كما ذكر الطالبي من سورة الزمر ما يدلّ على أنّ الله «يحكم بالحقّ ولا يظلم أحد «.أمّا من سورة المائدة وسورة الأنعام فقد استدلّ على أنّ الله يشرح لنا سبب الاختلاف بيننا و منهاج الحياة الذي سطّره لنا. يتبع...