تمضي الشهور والسنوات وتتوالى الغزوات والفتوحات ويشترك فيها جميعها الإمام علي بن أبي طالب باستثناء غزوة تبوك التي جرت في شهر رجب من سنة تسع قبل حجة الوداع، وهي آخر غزوات الرسول ﷺ ومن أهمها وأكثرها عددا حيث تدافع المسلمون للاشتراك فيها ومقارعة الرومان وكسر شوكة الكفر والشرك باللّه. فقد حرص الرسول ﷺ على استبقاء الإمام علي رضي اللّه عنه في المدينة وقد كان متوجّسا من بعض المنافقين والمتربّصين بالاسلام والمسلمين وأعداء الدّين... وقد دفعه لخوفه من أن يعمدوا بعد خروج النبي وجيش المسلمين الى محاولة تنفيذ انقلاب على الدولة الفتية الى الإيعاز لابن العم والقائد والمجاهد علي بن أبي طالب بالبقاء في المدينة رغم أنه استخلف عنها محمد بن مسلمة حيث قال له ﷺ: «أنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي. يا علي إن المدينة لا تصلح إلا بي وبك». أسقط في أيدي منافقي المدينة بعد علمهم باستبقاء علي في المدينة وأدركوا أن كل مخططاتهم لبث الفتنة والفوضى ومحاولة إرساء نظام جديد قد سقطت في الماء، فراحوا يبثون الأراجيف والأكاذيب والشائعات في محاولة لدفع علي الى اللّحاق بجيش المسلمين، فقد قالوا تارة أن الرسول استبقاه استثقالا له وتخفّفا منه... وقالوا تارة أخرى أن الرسول ﷺ دعاه الى الخروج معه لكن عليّا امتنع من الخروج بحجة الحرّ الشديد وبعد المسافة عن أرض الروم وإيثاره الراحة والدّعة في المدينة. هذه الأباطيل والتخرّصات استفزّت الإمام علي فقرّر الرحيل واللّحاق بالجيش، أخذ سلاحه وخرج حتى أتى رسول اللّه وهو نازل بالجرف (موقع على بعد 3 أميال من المدينة) وبادره بقوله: «يا نبيّ اللّه، زعم المنافقون أنك إنما خلّفتني لأنك استثقلتني وتخفّفت منّي»، فردّ عليه الرسول الأكرم ﷺ بقوله: عدت أبرز حجة على إمامة علي: كذبوا، ولكنّي خلّفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون بمنزلة هارون من موسى، إلا إنه لا نبيّ بعدي». فرجع علي الى المدينةالمنورة لتكون غزوة تبوك هي الغزوة الوحيدة التي تخلف عنها رضي اللّه عنه وهو الذي تعوّد على حمل الراية في كل الغزوات التي خاضها في جيش الإسلام.