إنّ المسلم الذي عرف حقيقة الإسلام، لا يحسد أحدا ولا يبغض أحدا؛ لأنه رضي بما قسم الله له ولأنه يعلم أن الجنة لا يدخلها إلا المؤمنون المتحابون، عن الزبير بن العوام رضَي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء، وهي الحالقة أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا، ألا أدلكم على ما تتحابون به؟ أفشوا السلام بينكم. (رواه الترمذي). كذلك لا يحب الانتقام من أحد ويصفح عمن أساء إليه، لأنه يرجو ما عند الله، قال الله تعالى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (الشورى 40) وقال تعالى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (الشورى 43) وعن سهل بن معاذ عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظا دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور ما شاء. (سنن أبي داود). إنّ المسلم الحق هو من يصون لسانه عن فاحش القول وبذيئه؛ لأن إيمانه بربه وخوفه من غضبه ومقته يمنعه من ذلك، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله: ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء. (أبو داود والترمذي). فهو عدلٌ في حكمه حتى مع من يبغضه منصف من نفسه قبل غيره؛ لأنه يمتثل قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة 8) في بيته يعدل بين أولاده، ويعدل بين زوجاته، في عمله يعدل بين من هم تحت يده، ينصف الناس من نفسه قبل أن يُطالب بالعدل والإنصاف. ويجتنب البخل والشح، ويؤثر إخوانه المسلمين على نفسه ولو كان به فقر وفاقة لأنه يعلم عاقبة الشح والبخل وعاقبة الإيثار في الآخرة والدنيا، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا. (رواه أبو داود) وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم. (رواه مسلم) وقال صلى الله عليه وسلم: لا يجتمع الشح والإيمان في قلب مسلم أبدا. (رواه النسائي). ولقد مدح الله الأنصار رَضي الله عنهم فقال {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر 9).