بعد أن كان رئيس الجمهورية الحاكم الفعلي والقادر الوحيد على التغيير، باتت صلاحيات ساكن قرطاج محددة بالنص، وهذا التغيير في صلاحيات رئيس الدولة لم ينزع عنه المكانة الاعتبارية. فما هي المواصفات المطلوبة في الرئيس القادم أمام تعدد نوايا الترشح. تونس الشروق: مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية دخلت الطبقة السياسية في السباق المحموم على الفوز بهذا المقعد. كما دخلت في مرحلة إعلان الترشيحات لهذا السباق. حيث أصبحت الترشيحات الجديدة تُعلن بشكل شبه يومي. وتختلف الوجوه المرشحة وتتنوع على مختلف المستويات السياسية والثقافية والأكاديمية والاجتماعية. كما تختلف بعض إعلانات الترشح من حيث الجدية.حيث توجد بعض إعلانات الترشح الاستعراضية التي تهدف إلى فرقعات سياسية أو إعلامية. وهي تزيد في ضبابية المشهد السياسي وزعزعة ثقة التونسي في الرهان الانتخابي. فماهي المواصفات التي يطلبها عموم التونسيين في رئيسهم القادم قياسا بما عاشوه من تجارب وقياسا بمقدرة الرئيس القادم على التغيير؟ من بين أهم وأبرز الصفات المطلوبة في الرئيس القادم القدرة على تجميع التونسيين ضد كل تقسيم سواء أكان سياسيا أو مجتمعيا، خاصة أن التونسيين الذين عايشوا فترة الترويكا ومن قبلها مرحلة الحزب الواحد وكذلك المرحلة الحالية بخصائص كل واحدة منهما، ليسوا على استعداد البتة لتقبل حكم العائلة أو المفاضلة بين طوائفه. فالتونسي المسالم بطبعه أميل الى الشخصيات غير الصدامية التي لها قدرة على التجميع. التونسيون أيضا يريدون رئيسا تونسيا وليس كما يفرضه القانون الانتخابي فحسب، بل من بين المتشبعين بالهوية التونسية ومن غير المسقطين عليها من مكاتب الاستخبارات ووكلاء الدول الاجنبية والسفارات. وهذا منطقي جدا كي يبقى رئيسنا القديم في دائرة الانتماء الواحد الى تونس وشعبها. ولمّا كان النظام السياسي التونسي يفرض انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من قبل الشعب خلافا لرئيس الحكومة المعين ورئيس البرلمان المنتخب في دائرة ضيقة فإنه من البديهي وفق المختصين في العلوم السياسية ان يروم الناخبون الرئيس الذي يشبههم في طباعهم واهوائهم والذي يتماهى مع تفاصيل حياتهم. ولعل هذا المعطى هو الدافع الرئيسي الى انزلاق المرشحين للرئاسة في الشعبويات مخاطبة للوجدان ومحاولة للاختلاط بالفئات الشعبية قصد كسب رضا المواطنين. التونسيون يعلمون علم اليقين أن الصلاحيات التنفيذية المتعلقة بتغيير واقعهم الاقتصادي والاجتماعي هي من صميم عمل الحكومة وفق النظام السياسي الذي نعيشة، غير أن هذا لا يقلل من المكانة الاعتبارية لرئيس الجمهورية القادم الذي يريدونه في علاقة وئام مع كل الاطراف الحاكمة تماهيا مع مبدإ استمرارية دواليب الدولة. بل إن التونسيين يريدون رئيسا حاملا لمشروع سياسي قابل للتطبيق وفوق كل الأحزاب والمصالح الضيقة. ولكونه الشخصية الوحيدة التي يقع انتخابها من كل التونسيين انتخابا مباشرا فإن كل الصفات الفضلى حتى وان كانت ذات منحى اخلاقي يطلبها التونسيون من رئيسهم القادم ومن أهمها نظافة اليد من كل شبهات الفساد وتبديد المال العام، وقوة الشخصية وعدم الاذعان لمصالح الفئات والعائلات الضيقة، وغير حامل لجنسيات أخرى اجنبية يسقطها عنه ويتنكر لها بمجرد دخول غمار المنافسة وصفات اخرى على غرار النزاهة والشفافية والمصداقية والاخلاص. ومن بين الشخصيات السياسية التي تداولت على رئاسة تونس ظل الزعيم الحبيب بورقيبة رمزا خالدا في الوطنية الخالصة وحب الوطن والذود عنه وهو مايفسر حب عموم التونسيين لكل الشخصيات الشبيهة بالحبيب بورقيبة في حب تونس وسيصوتون لها حتما لو تأكدوا من صدقهم في ذلك وفي صدق وطنيتهم. في المحصلة عديدة هي الصفات التي يطلبها التونسيون من رئيسهم القادم وتنحصر كلها في سمات فضلى تسعى الى أن تمايز واقعهم المستقبلي عن واقعهم الحالي والماضي، غير أن كل هذه الصفات ليست المحدد الوحيد لصورة الرئيس القادم طالما أن الانتخابات باتت تقوم على حسابات وتوافقات وتعتمد على «ماكينات» كبرى. الطيب الطويلي (مختص في علم الاجتماع) هكذا يختارالتونسيون رئيسهم تختلف محددات اختيار الرئيس لدى التونسي باختلاف انتمائه ومستواه الثقافي والاجتماعي. فالتونسي غالبا لا ينتخب من أجل برنامج سياسي متكامل، وإنما قد تثير اهتمامه بعض الوعود الاقتصادية والاجتماعية التي يطرحها بعض المرشحين والتي تقذف لدى المواطن الأمل في تحسين وضعيته الاجتماعية. وثانيا قد يحاول بعض التونسيين اختيار الرئيس الذي يشبههم والذي يمكنه أن يتماهى مع مشكلاتهم البسيطة. وهو ما يفسر اعتماد السياسيين على الشعبوية المفرطة ومحاولة الاتكاء على مفردات «الزوالي» و»القفة» الخ.. كما تعتبر الكاريزما عاملا هاما في تحديد اختيار التونسي للرئيس، الذي يحرص في اختياره على أن يكون مرشحه لبقا سريع البديهة، حاضر الجواب وطريفا في كلامه. وهو ما كان من نقاط قوة الباجي قايد السبسي في الانتخابات السابقة. وساهم في ترجيح كفته. أحمد ونيس (ديبلوماسي سابق) هذه المواصفات مطلوبة بغض النظر عن الانتماء السياسي فإن المواصفات العامة المطلوبة في زعيم تونس القادم يمكن تلخيصها في التصاقه بالحركة الوطنية والتشبع بالفلسفة الدستورية البناءة. كما أن انتماء الرئيس القادم الى الجيل الموالي للزعيم الحبيب بورقيبة معطى مهم في استلهام خصال الزعيم بروح الجيل الجديد. والمطلوب من الرئيس القادم الا يحمل عداوات مع منظومة الثورة التونسية بأحزابها الجديدة وجيلها السياسي الجديد كي يكون جامعا ومرجعا وذلك علاوة على ضرورة أن يكون مصلحا وحاملا لفلسفة الاصلاح التي تكون عنوانا للمجتمع العربي الاسلامي المصلح والمتطور. اما على مستوى علاقاتنا الخارجية فالمطلوب أن يكون متناسقا مع الاعراف الديبلوماسية التونسية في المحافظة على السيادة الوطنية ونبذ الاصطفافات واحترام الدول.