عاجل: وزارة الصحة تدعو المقيمين في الطب لاختيار مراكز التربص حسب هذه الرزنامة... التفاصيل    فضيحة السوق السوداء في مهرجان الحمامات: تذاكر تتجاوز مليون ونصف والدولة مطالبة بالتحرك    النجمة أصالة تطرح ألبوما جديدا... وهذا ما قالته    بعد أيام من زفافه .. وفاة نجم ليفربول تَصدم العالم    «شروق» على مونديال الأندية: الهلال لمواصلة الزحف ومواجهة «ثأرية» بين بالميراس وتشلسي    بطولة العالم للصغريات للكرة الطائرة : بأي وجه سيظهر فريقنا أمام الإيطاليات؟    بوتين لترامب.. روسيا "لن تتخلى" عن أهدافها في أوكرانيا    عاجل/ ماكرون يهدد ايران..وهذه التفاصيل..    صيف المبدعين...الكاتبة فوزية البوبكري.. في التّاسعة كتبت رسائل أمي الغاضبة    تاريخ الخيانات السياسية (4)...غدر بني قريظة بالنّبي الكريم    كاتب عام جامعة الستاغ ل«الشروق».. ديون الشركة بلغت 7 آلاف مليار ولهذه الأسباب سنضرب يوم 17 جويلية    برمجة جلستي حوار مع وزيرين    استطلاع البنك الأوروبي للاستثمار: المنافسة المتنامية تؤرق المؤسسات الصغرى والمتوسطة في تونس أكثر من نقص التمويل    مستقبل المرسى يتعاقد مع اللاعب حسين منصور    انطلاق دورة المتفوّقين الخاصة بالناجحين الجدد في الباكالوريا..    بعد تكرّر حوادث الغرق... مبادرة برلمانية لحماية المصطافين    على خلفية وشاية كاذبة: تمديد الإيقاف التحفّظي للنائب السابق الصحبي صمارة    دعا إليها الرئيس خلال استقباله رئيسة الحكومة: حلول جذرية لكلّ القطاعات    عاجل/ نتنياهو يعلن الموافقة على وقف اطلاق النار في غزة وينتظر رد "حماس"    حلمي ان اكون طبيبة وان اكون في خدمة الانسانية (الاولى وطنيا في مناظرة"النوفيام")    اتحاد الفلاحة يطمئن: المنتوجات البحرية المعروضة عالية الجودة وتخضع لكل شروط حفظ الصحّة    مطار النفيضة-الحمامات الدولي يستقبل أول رحلة مباشرة لشركة "فيزيون اير" قادمة من العاصمة المولدافية كيشيناو    وزارة التجهيز تعلن غلقًا وقتيًا للطريق المحلية رقم 541 بين جبل الجلود ولاكانيا بسبب أشغال توسعة    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    بداية من الأحد 6 جويلية: توفير 10 حافلات خاصة بالشواطئ    المنستير: برمجة 11 مهرجانًا و3 تظاهرات فنية خلال صيف 2025    عمرو دياب يفتتح ألبومه بصوت ابنته جانا    63.07 بالمائة نسبة النجاح في "النوفيام" وتلميذة من المنزه 5 تتصدر الترتيب الوطني بمعدل 19.37    ملتقى تشيكيا الدولي - الجائزة الكبرى لبارا ألعاب القوى: ذهبية وفضية لتونس    منوبة: تقدّم موسم الحصاد بنسبة 81% وتجميع قرابة 320 قنطارا    لطيفة العرفاوي تعلن:"قلبي ارتاح"... ألبوم جديد من القلب إلى القلب    بسبب حريق كبير.. إجلاء أكثر من ألف شخص في جزيرة كريت اليونانية    18 سنة سجنا لناقل طرود من الكوكايين من فرنسا إلى تونس    أكثر من 63% من التلاميذ نجحوا في مناظرة النوفيام 2025    لديك أموال في حساب متروك؟.. هذا ما عليك فعله لاسترجاعها..    عاجل/ جريمة مروعة تهز هذه الولاية: شخص يقتلع عيني زوجته..!    تنسيقية العمل من أجل فلسطين تدعو إلى "تسليط الضوء على الحصار على غزة وليس على قافلة الصمود في حد ذاتها"    تعرف شنوّة تعني الأعلام في البحر؟ رد بالك!    عاجل : إلغاء الإضراب فى الخطوط التونسية الفنية    تنظيم سهرة فلكية بعنوان 'نظرة على الكون' بقصر اولاد بوبكر بمنطقة البئر الاحمر بولاية تطاوين    عاجل : طلاق بالتراضي بين فوزي البنزرتي و الاتحاد المنستيري ...تفاصيل    نتائج التحاليل تؤكد: لا خطر صحي في استهلاك الدلاع التونسي    ''فضيحة اللحوم الملوثة'' في فرنسا: وفاة طفل وإصابة 29    "الزنجبيل".. ينصح به الأطباء ويقي من أخطر الأمراض..    جندوبة: حريقان يأتيان على هكتار من القمح وكوخ من التبن    اضطراب في تزويد عين الناظور ببنزرت بماء الشرب وهذا موعد الاستئناف    بلدية تونس تدعو متساكنيها الى الاسراع بالانتفاع بالعفو الجبائي لسنة 2025    مرتضى فتيتي يطرح "ماعلاباليش" ويتصدّر "يوتيوب" في اقلّ من 24 ساعة    رد بالك من الماسكارا اللي تقاوم الماء..هاو علاش    برد الكليماتيزور بالليل... خطر صامت؟    بشرى سارة لمرضى السرطان..    مقتل 4 أشخاص وإنقاذ 23 إثر غرق عبارة قبالة بالي    كولومبيا تضبط لأول مرة غواصة مسيّرة لتهريب المخدرات    محمد صلاح يتصدر قائمة أغنى اللاعبين الأفارقة لسنة 2025 بثروة قدرها 110 ملايين دولار    تراشق فايسبوكي بين خميس الماجري ومحجوب المحجوبي: اتهامات متبادلة بالتكفير والتطبيع و«الإفتاء للراقصات»    تاريخ الخيانات السياسية (3) خيانة بني أبيرق في عهد رسول الله    3 حاجات لازم تخليهم سرّ عندك...مش كلّ شيء يتقال    ماهر الهمامي يدعو إلى إنقاذ الفنان التونسي من التهميش والتفقير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس أندلس 1492
نشر في الشروق يوم 07 - 06 - 2019

"ابك كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال" هكذا ، حسب الرواية التاريخية، أجابت عائشة الحرة ابنها أبا عبد الله الصغير ، آخر ملوك الأندلس، و هو يقف على الربوة باكيا على ضياع غرناطة و سقوط الأندلس بعد أن سلم مفاتيحها للحكم الاسباني سنة 1492م.
و تعود أهم الأسباب لسقوط الأندلس، حسب المؤرخين ، انتشار الفساد و المجون و عدم الاهتمام بمصير الدولة. بالإضافة إلى تزايد النزاع بين الطوائف المسلمة و تخلي المفكرين عن دورهم الإصلاحي لإنقاذ الأندلس من الانهيار .
لو نقارن بين ما أدى إلى سقوط الأندلس و وضع تونس فإننا نواجه حقيقة سوداء أن تونس تنحدر للسقوط و دون توقف . الدول ليست خالدة و يمكن أن تندثر إذا توفرت المخاطر التي تقوض بناءها . و الجلي أن تأثير هذه الأخطار يتفاقم في تونس . يشهد وطننا منذ سنوات تقهقرا على جميع الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و العلمية .
لا أحد ينكر الانحدار المخيف الذي وصل إليه الاقتصاد التونسي . الدينار يستمر في سقوطه و احتياط العملة الصعبة وصل إلى 76 يوم فقط . و الأخطر حسب تقرير هيئة المحاسبات غياب استراتيجية أو رؤية واضحة لإصلاح و إنقاذ المؤسسات و هو ما يؤكد صعوبة تعافي الاقتصاد . و كنتيجة طبيعية للفشل الاقتصادي تضررت القدرة الشرائية للمواطن التونسي.
التعليم بكل مراحله الابتدائي و الثانوي و العالي يعاني تفككا مفزعا . و هو ما أفقد القيمة العلمية للشهائد الجامعية. مما يجعلنا نفكر في المصير المجهول لمستقبل تونس. و نتساءل حول قدرة حاملي شهائد جامعية بلا قيمة و ينقصهم التكوين الجيد على بناء و المحافظة على عماد الدولة التونسية. هذا إذا أضفنا الحقيقة المربكة و المخجلة وهي تواصل ارتفاع نسبة الأمية تونس في زمن العولمة و الانترنات. تصل نسبة الأمية في تونس إلى 18℅ . مما يعني تفشي الجهل في تونس بين أغلبية تعلمت في منظومة تعليمية ضعيفة و البقية تعجز عن القراءة والكتابة.
فشل المنظومة الصحية في تونس يثير الخوف و عدم الثقة في الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة للمواطنين . إذ تزايدت حالات الوفيات المشبوهة في المستشفيات العمومية في السنوات الأخيرة . كشفت فاجعة وفاة حوالي 14 رضيع في مستشفى الرابطة هول ضعف المنظومة الصحية . دون أن ننسى نقص و فقدان العديد من أنواع الأدوية نتيجة الفساد و السرقات.
الحياة الثقافية تتخبط في الركود منذ سنوات. لولا بعض التجارب و الأعمال القليلة و الجيدة لأصبحت الثقافة التونسية مهددة بالتلاشي . ظهور الكثير من الأعمال الضعيفة و المزيفة عجزت عن الإضافة الفكرية و الجمالية و الفنية للحياة الثقافية. أغلب الأعمال المسرحية تنقصها القيمة الفنية للمسرح المتطور .و لا يمكن تصنيف العديد من المسرحيات الكوميدية ضمن الأعمال التي يمكنها أن تثري تاريخ المسرح الكوميدي التونسي. كما لم تعد الموسيقى التونسية من اهتمام الموسيقيين و المغنين التونسيين الذين أصبحوا يرون الفن مثل أي عمل تجاري . و عوضا عن تطوير الموسيقى التونسية ، يلتجئون لإعادة أغاني تراثية أو ينتجون أعمال غنائية شرقية.
الخطر الأكبر الذي يدفع تونس للسقوط هو الفساد الذي ينخر كافة مؤسسات الدولة . و مما يعمق تأثيره في هدم الدولة التونسية أن الحكومات المتعاقبة عجزت عن القضاء على الفساد و محاكمة المتورطين . و يعود السبب أن أغلب الأحزاب السياسية و حكومات ما بعد الثورة تمول حملاتها الانتخابية بالمال الفاسد و هو ما يجعلها تتلكأ في محاسبتهم.
مع تهاوي الدولة و ببطء ، ينتشر خطاب إعلامي يسعى إلى الحد من الوعي بالأزمة الخطيرة التي تواجهها تونس. إذ صعد إلى السطح مشهد إعلامي ضحل و ضئيل يهدد الذوق العام. و ترتكز هذه البرامج التافهة على التهريج و الخواء الفكري و الفني لمحتواها. و داخل هذا الإعلام التافه ، يتخذ الكثير من الإعلاميين السماسرة برامجهم كسلعة قابلة للبيع و الشراء. و يمكن للأحزاب الحاكمة المتعاقبة شرائهم لتمرير أجنداتها و تحريف الحقائق و تجميل فشلها. و يتغير خطابهم بتغير مصدر المال الفاسد . و في الوقت نفسه، يواصل الإعلام العمومي فشله في طرح و مناقشة القضايا الكبرى الوطنية لتحسيس المواطن البسيط بأهميتها.
لم يركز التونسيين اهتمامهم على بالأزمة الشاملة و تداعياتها على مستقبل تونس و إنما ا انشغلوا بمشكلة أساسية تدور حول مسائل دينية . و هو ما أنتج نزاع مستمر يختفي و يظهر مع أي حدث جديد . قسم يرى العلمانيين ملحدين و يحتقرون الدين . و يجب التصدي لهم لأنهم يمثلون خطر على الإسلام في تونس . و في الطرف الآخر يرى العلمانيون أن المهووسين بالدين متخلفين و يمثلون خطرا على تقدم و تطور تونس. و لهذا يجب مقاومتهم للمحافظة على الحريات الفردية .مع هذا النزاع العقيم لفئات الشعب، يواصل الأحزاب الاستهتار بتونس. فكل الأحزاب انتهازية ، سوى كانت حاكمة أو معارضة، لا تمتلك مشاريع واقعية و ناجعة و قادرة على إنقاذ تونس. فهي أحزاب مبنية على شعارات فضفاضة و فارغة .و كل تتركز اهتماماتهم فقط على الفوز في الانتخابات التي ستأتي.
و أمام هذا المشهد القاتم تتخلى النخبة التونسية عن دورها في الدفاع عن الوطن بتوعية كافة مكونات المجتمع . فهي لا تحضي بثقة المواطنين البسطاء لأنها تتعالى عن الاختلاط بهم و تجهل مشاكلهم و تفاصيل حياتهم . المثقف الحق هو من يقترب من كل فئات شعبه . حسب رؤية انطونيو غرامشي المثقف الذي لا يتحسس آلام شعبه لا يستحق لقب مثقف. إذ تستفيد الحكومات الفاشلة من تشتت النخب التونسية .و عوضا عن التوحد وخلق قوة ضغط للتغيير و إنقاذ الدولة من الانهيار ، تتصادم النخبة التونسية. ما يميز أفراد النخبة التونسية الغرور و النرجسية . يميل أغلب المثقفين إلى تقمص دور الزعيم . كل مثقف يرى نفسه الأقدر على التفكير و فهم ما يجري و يتوقع أن يتبعه الآخرون. كما تغلب نزعة الكراهية و العدائية على علاقاتهم . لم تثبت النخبة التونسية رفضها لما يحدث على أرض الواقع. لأنه لم يحدث أن خرجت النخب ، من كل القطاعات ، متوحدة في مسيرات تدعو لإصلاح التعليم و المنظومة الصحية أو محاسبة المتورطين في الفساد . النخبة وحدها تمثل قوة تدفع للتغيير.
التدهور الخطير الذي تواجهه تونس يتطلب أن تتحلى النخبة التونسية بالمسؤولية و تتخلى عن الأنانية و وهم الزعامة. و يجب على النخبة من مختلف القطاعات أن تتشارك في البحث عن حل لإنقاذ تونس من السقوط. إن لم تسارع النخبة التونسية بالتحرك الفعلي و الناجع فإنها ستعتلي ربوة العربي الأخير باكية على اندثار تونس بعد أن سلمت مفاتيحها لعصابات الفساد و السياسيين الانتهازيين و الإعلاميين السماسرة . و ستكون تونس في مكان عائشة الحرة قائلة: "ابك كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.