تداولت صفحات تونسية كثيرة يوم أمس مقطع فيديو يصور مخلفات عملية اقتحام في منزل عائلة الشهيد محمد العمري في تالة. قبل ذلك، استمر انشغال الصفحات التونسية في الموقع الاجتماعي بالمعركة المستمرة بين المدونة ألفة الرياحي وأنصارها من جهة وأنصار حركة النهضة وثلاثي الحكم من جهة أخرى بخصوص ما ينسب إلى وزير الخارجية السيد رفيق عبد السلام من قضاء بعض الليالي في نزل الشيراتون على حساب الدولة، ومن الاحتفاظ بالمساعدة المالية الصينية في حساب وزارة الخارجية بدل تحويلها إلى وزارة المالية. والحقيقة أن أغلب ما يكتب في الصفحات التونسية في هذا الموضوع لا يستحق النشر أصلا، لما فيه من تهم خطيرة يطلقها طرفا النزاع تمس من أعراض الناس وحقوقهم. في الأثناء، تذكر ناشطون كثيرون سقوط الأندلس في مثل يوم أمس من عام 1492، نشر بعض المثقفين مقالات تتحدث عن استخلاص العبرة من ضياع تلك الحضارة الإنسانية العظيمة التي جعلت العرب في مقدمة البشرية طيلة عدة قرون، فيما «تباكى» آخرون على الأمجاد الضائعة، لكنهم سريعا ما انقسموا كعادة التونسيين إلى أنصار النهضة وأنصار اليسار الذين اعتبروا أن العرب نجحوا في إقامة حضارة في الأندلس لأنهم تخلوا عن الدولة الدينية وأقاموا مجتمعا يتعايش فيه الجميع من نصارى ويهود وغيرهم من الأديان والمعتقدات. كتب ناشط جامعي من اليسار في صفحته: «لم تكن دولة العرب في الأندلس دولة دينية، بل منفتحة على كل الأديان، إن الفيلسوف ابن رشد لو عاش في تونس اليوم، لاعتبروه زنديقا وكفروه واستباحوا دمه وعرضه في شارع بورقيبة». في المقابل، يعتبر أنصار النهضة أن حضارة الأندلس كانت دليلا على أن الإسلام والمسلمون قادرون على بناء المجتمعات الرائدة والمتطورة واحتواء كل الأديان والمعتقدات، وأن ضياع الأندلس كان بسبب بعد المسلمين عن تعاليم الإسلام وانغماسهم في الملذات والمحرمات».
غير أن ظهور مقطع فيديو عن اقتحام أعوان إحدى فرق الأمن منزل أسرة الشهيد محمد العمري في مدينة تالة حاز على نسبة اهتمام وتداول كبيرة، وفي هذا المقطع من أربع دقائق، يصور أحد أفراد الأسرة أثاث البيت المحطم وفتاة على وجهها آثار دماء وجرح بليغ، مع تعليق يتهم صراحة أعوان الأمن باستعمال عنف، أقل ما يقال عنه إنه مفرط جدا ضد سكان المنزل. وهكذا، تناول ناشطو المعارضة هذا الفيديو وهذه الحادثة للهجوم على وزارة الداخلية، والحكومة والنهضة، في ظل صمت غريب من مؤسسات الحكومة عن حقيقة ما حدث.
يجب أن نبحث طويلا في عشرات الصفحات بين التعاليق الغاضبة والشتائم والتهم الخطيرة عن خيط الحقيقة دون جدوى، وأقصى ما عثرنا عليه هي رواية لا ندري شيئا عن صدقيتها تقول إن أحد أشقاء الشهيد محمد العمري قد «تذكر ليلة رأس السنة استشهاد شقيقه وضياع حقه»، فهاجم مركز الشرطة بالحجارة»، وأن أعوان الأمن داهموا منزل الأسرة بحثا عنه بطريقة عنيفة جدا. واعتبر نشطاء المعارضة والكثير من المثقفين والحقوقيين أن ما حدث كان «كارثة حقوقية أخرى يقترفها أعوان الأمن» كما قرأنا في صفحة محام قريب من اليسار. وكما هي عادة الحكومة، فإن تطور النقاش في مثل هذه الأحداث، يحدث في ظل صمت رسمي مثير للأعصاب.
أما آخر ما عثر عليه خصوم الحكومة وثلاثي الحكم، فهو تتويج السيدة العقربي التي نجحت في الإفلات من البلاد بجائزة غريبة جدا من وزارة شؤون الأسرة التركية، التي يفترض أن حكومتها حليفة لحكومة النهضة. وفي مثل هذه الحالات، لا يفقد التونسيون قدرتهم على الطرافة، فتداولوا تعليقا جاء فيه: «السعودية تحتضن المخلوع، قطر تحمي صخر الماطري وتركيا تكرم السيدة العقربي».