شرخ كبير في الجبهة الشعبية أحدثه زلزال حل كتلتها النيابية، فما حدث تحت قبة البرلمان قد يمتد ليعصف بالجبهة كلها ويعيدها إلى تجربة الصفر فاصل بعد دورة نيابية أثبتت فيها قوة نسبية لكن ألا يكون للزلزال مفعول عكسي؟ تونس (الشروق) من خانة الصفر فاصل خلال انتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011 إلى تمثيلية نيابية قوية نسبيا ناتجة عن تشريعية 2014 قوامها 15 مقعدا في البرلمان... من المفترض أن تطمح الجبهة إلى الأفضل في الانتخابات القادمة فتقوي مكانتها وترفع تمثيليتها لكنها سارت عكسيا بإعلان عدد من أعضاء كتلتها البرلمانية عن انسحابهم منها ما أدى قانونيا إلى حلها لعدم توفر النصاب. بعيدا عن أسوار البرلمان، مازالت الجبهة الشعبية قائمة فلا أحد من أطرافها بما فيها المختلفة في ما بينها (العمال والوطد الموحد) أعلن عن انسحابه لكن إمكانية التفكك واردة جدا ما يعيد وضع الأطراف كلها إلى فترة ما قبل تأسيس الجبهة. في هذه الحالة سيعود الوضع إلى ما كان عليه قبل 2014 أي إلى المشاركة شبه الصورية في الانتخابات والحصول على نسب من الأصوات لا تتجاوز الصفر فاصل لدى الأغلبية لأن الأصوات المفترض توجهها إلى الجبهة متحدة ستتشتت بين أطرافها. ولكن ألا يمكن انتظار نتيجة عكسية؟. خلافات حادة لا يمكن الحديث عن نتيجة عكسية إلا في حالة واحدة تبدأ خطوتها الأولى بتغليب العقل لدى جميع الأطراف المتخالفة داخل الجبهة ونجاح الوسطات ومحاولات تقريب وجهات النظر فيما تتمثل الخطوة الثانية في الجلوس إلى طاولة حوار واحدة يتم فيها التعرض إلى كل الإشكاليات وبسط جميع الآراء المتضاربة والاتفاق على تقديم حد من التنازلات للوصول إلى توافقات تخدم الجبهة أساسا ولو على حساب مصالح أطرافها الضيقة. الخلافات داخل الجبهة ليست مستحدثة بل بدأت منذ سنوات جراء التضارب في المواقف بدءا بالموقف من استشهاد الشهيد شكري بلعيد والإجراءات المتبعة في البحث عن حقيقة اغتياله مرورا بالعديد من الخيارات والقرارات المتخذة دون توافق مثل المشاركة من عدمها في بعض الحكومات السابقة وصولا إلى الاختلاف الحاد حول ترشيح الناطق الرسمي حمة الهمامي من عدمه للرئاسية القادمة. انعدام الحظوظ حمة الهمامي هو الأجدر بالترشيح وفق حزب العمال وأغلب أطراف الجبهة، ومنجي الرحوي أحق منه من وجهة نظر حزبه (الوطد) والأقلية المقربة منه لكن لا يمكن لأي منهما أن يطمح لأي حظ من حظوظ الفوز لو تم فرض أحدهما بالقوة أو ترشيحهما معا. النقطة المهمة الثانية التي لا يمكن لأي جبهوي أي يغفل عنها أن الخلاف حول المرشح للرئاسية لا يؤثر في الاستحقاق الرئاسي فقط بل يعود بالوبال على الانتخابات التشريعية بما أن الجبهة ستتفكك أو تضطر إلى إعداد قائمات انتخابية والشروع في حملة انتخابية خالية من التنسيق. أما النقطة الثالثة فتتعلق بضغط الزمن ذلك أن المدة القصيرة التي تفصلنا عن الانتخابات تمنع أي طرف جبهوي من الاستعداد الجيد بصفة منفردة ولنا أن نتساءل في هذا المجال عن حظوظ الرحوي إذا تمسك به حزبه مرشحا للرئاسية وحظوظ حمة الهمامي إذا لم تنزل الجبهة كلها بثقلها في دعمه والترويج له. الحل في التوافق الحل المنطقي إذن هو التوافق حول ترشيح واحد باسم الجبهة حتى إذا كان ترشيح حمة لا يرضي الوطد وترشيح الرحوي لا يرضي حزب العمال لأن هذا التوافق يعود بالخير في النهاية على الجبهة كلها فيما لا يمكن لأي طرف أن يستفيد من تمسكه بمطلبه غير التوافقي. على أن حل مشكلة الترشيح للرئاسية يتطلب بالضرورة حل بقية المشاكل وخاصة منها المتعلقة بالانتخابات مثل إعداد القائمات الانتخابية ورؤسائها وأعضائها وتوزيعها الجغرافي قبل التفرغ لحل المشاكل المتعلقة باتخاذ القرارات داخل مجلس الأمناء. فالطريقة المعتمدة قديما آتت أكلها في تجاوز بعض الخلافات المتعلقة بالزعامة لكن القرارات ظلت تتخذ أحيانا بطرق تعسفية ترضي البعض دون البعض الآخر ولا يمكن بالتالي التفكير في مستقبل الجبهة دون حل كل الخلافات والاشكالات والإحساس بالضيم وحتى بالإضطهاد. فرصة لا تعاد يمكن للجبهة أن تتجاوز محنتها الحالية وأن تمنع عقدها من الانفراط عبر تقديم التنازلات. هذه الفرضية قد تحول دون حصول كل طرف من الجبهة على نتائج كارثية في الانتخابات القادمة لكنها لا تضمن تطور محصولها وحتى حفاظها على غلتها (15 مقعدا من تشريعية 2014). ومع هذا فأمام الجبهة فرصة قد لا تعاد إذا أحسنت استثمارها في تقوية نفسها، فالرأي الذي ساد منذ سنوات لدى أغلبية الفئة الناخبة أن الجبهة لم تطور نفسها ولا يمكن المراهنة عليها في البحث عن بديل للمنظومة الحاكمة وزادت الخطورة عندما قدمت نفسها للرأي العام خلال الأشهر الأخيرة في صورة الكيان السياسي العاجز عن تجاوز خلافاته ما أدى إلى حل كتلته البرلمانية. هذا كله قابل للاستثمار الجيد إذا تمكنت أطراف الجبهة من تتجاوز خلافاتها في أقرب وقت ممكن وأظهرت على العكس تناغما وتكاتفا وتضامنا بين جميعها وخاصة منها حزبا العمال والوطد بما يظهرها في صورة الطرف الحزبي القادر على حل خلافاته والحفاظ على وحدته مهما كان عنف الزلزال الذي يضربها. هذه الطريقة أفضل للجبهة من الحملة الانتخابية الرسمية إذ بإمكانها أن تستعيد ثقة ناخبيها وأن تستقطب ناخبين جددا من الباحثين عن بديل للنهضة والأحزاب الندائية فهل يستغل أبناء الجبهة هذه الفرصة في الوقت المناسب أم يضيعونها… كما تعودوا؟