برزت في الجزائر مؤخرا تناقضات سياسية متصاعدة بين المتحكمين في المشهد السياسي ،فالحراك الشعبي من جهة يدفع نحو مرحلة انتقالية بعد الغاء انتخابات 4 جويلية في حين تعتبر المؤسسة العسكرية ان طول أي فترة انتقالية قد يقود البلاد نحو المجهول وربما يصعب التحكم بمخرجاتها خاصة في ظل الوضع الاقليمي المتوتر والمتقلب . لا احد يشكّك في شرعية الحراك الشعبي الجزائري وفي سلميته واحقية مطالبه التي رفعت منذ انطلاق الاحتجاجات والتي اعطت اكلها من خلال سقوط نظام عبد العزيز بوتفليقة فضلا عن تفكيك شبكات الفساد التي كانت تتحكم في المشهد العام للبلاد ،لكن في نفس الوقت يجب ان لا تتواصل الاحتجاجات الى ما لا نهاية . فالإنجازات المهمة التي حققها الحراك يجب ان تعقبها في القريب العاجل حلول عملية وبناء مؤسسات دستورية تضمن الانتقال الى تأسيس دولة حديثة وعصرية مبنية على الحرية والعدل والديمقراطية. لكن ، في هذا المضمار، على قادة الاحزاب والتحركات الاحتجاجية الجنوح الى الحوار وعدم ترك البلاد في نفق مرحلة انتقالية طويلة خطيرة ، فما تمر به المنطقة عموما وخاصة الجارة ليبيا يستوجب على الجزائر لملة الخلافات بأقصى سرعة والشروع في بناء الدولة وتجاوز كل التناقضات ، لان اي دولة تتوقف عن البناء يعني اليا العودة الى الوراء وتدحرج المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية . ويبدو ان التجربة الجزائرية الفريدة التي تمكنت من اسقاط نظام دون اي اهدار اي قطرة واحدة قادرة خلال الفترة المقبلة على تجاوز الخلافات عبر الجنوح الى الحوار . وعلى الجزائريين كذلك تعلم الدرس جيدا من الاحداث الجارية على المستوى الاقليمي ،فالسودان مثلا شهد خلال الايام القليلة الماضية تطورات دموية بسبب اهدار فرص الحوار والتوافق وتعنت اطراف المشهد والتمسك بافكارهم ، حتى تحولت المفاوضات الى صدمات بين المؤسسة الامنية والمتظاهرين واسفرت عن مجازر مرعبة تهدد بتحول السودان الى بؤرة جديدة للحرب الاهلية . الجزائر اليوم مطالبة بالمرور سريعا الى مرحلة بناء هيئات تضمن تجاوز المرحلة الانتقالية عبر الاسراع في تشكيل هيئة وطنية للانتخابات تضمن اختيار رئيس شرعي من خلال اقتراع نزيه وشفاف فضلا عن ضرورة انتهاج اساليب الحوار والتوافق لدحر كل المخططات الخارجية التي بان بالكاشف انها تهدد وحدة واستقرار الجزائر منذ انطلاق الحراك .