الامارات: بن زايد يكرّم تونسية ساهمت في إنقاذ 8 اشخاص من حريق    تونس: "لم نتفاجئ من فشل مجلس الامن في إقرار عضوية فلسطين بالامم المتحدة"    خطير/ العالم الهولندي يحذّر من مشروع لحجب الشمس.. يدعمه بيل غيتس!!    تايوان ترصد 21 طائرة عسكرية صينية حول الجزيرة    أداة ذكاء اصطناعي تحول صورة ومقطعا صوتيا ل"وجه ناطق" بتوقيع مايكروسوفت    اليوم غلق باب الترشحات لإنتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم    القصرين: وفاة 4 أشخاص وإصابة 4 آخرين في إصطدام سيارة نقل ريفي بشاحنة    بطولة إفريقيا للتنس: التونسيتان لميس حواص ونادين الحمروني تتوجان بلقب الزوجي    كأس تونس: برنامج مواجهات اليوم من الدور السادس عشر    رئيس الإمارات يكرّم فتاة تونسية قامت بعمل بُطولي    دراسة تكشف أصول "القهوة الصباحية".. كم عمرها؟    يساهم ب 16% في الناتج المحلي: الاقتصاد الأزرق رافد حيوي للتنمية    عاجل/ إضراب مرتقب في قطاع المحروقات.. وهذا موعده    قفصة : الاعدادية النموذجية تتحصل على أفضل عمل متكامل    جندوبة: انطلاق بناء مدرسة اعدادية بجاء بالله طبرقة    شملت شخصيات من تونس..انتهاء المرافعات في قضية "أوراق بنما"    جبنيانة: حجز 72 طنا من الأمونيتر    عاجل/ إتحاد الفلاحة: "تدهور منظومات الإنتاج في كامل البلاد"    طقس السبت: رياح قوية والحرارة بين 18 و28 درجة    غارة جوية تستهدف موقعا عسكريا لقوات الحشد الشعبي في العراق    هيئة الدّفاع عن المعتقلين السّياسيّين: خيّام التركي محتجز قسريا وهذه خطواتنا القادمة    يستقطب قرابة نصف اليد العاملة.. مساع مكثفة لإدماج القطاع الموازي    منظمة الصحة العالمية تعتمد لقاحا جديدا عن طريق الفم ضد الكوليرا    استكمال تركيبة لجنة إعداد النظام الداخلي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    القصرين: تلميذ يطعن زميليْه في حافلة للنقل المدرسي    أبرز مباريات اليوم الجمعة.    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    رابطة ابطال افريقيا (ذهاب نصف النهائي) : الترجي الرياضي يواجه صان داونز بحثا عن تعبيد الطريق الى النهائي    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    نقابة الثانوي: محاولة طعن الأستاذ تسبّبت له في ضغط الدم والسكّري    برج السدرية: انزلاق حافلة تقل سياحا من جنسيات مختلفة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ينجح الغنوشي في تجنيب النهضة مصير الإخوان في مصر؟
نشر في حقائق أون لاين يوم 27 - 08 - 2013

خلف سقوط حكم الإخوان في مصر، حالة من الصدمة لدي حزب النهضة الإسلامي الحاكم في تونس، ما زالت لم تستفق منها إلى الآن.خاصة وأنه تزامن مع عودة الحراك الاحتجاجي وتصاعد وتيرته وسقف مطالبه – حل الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي- . وذلك بسبب استفحال الأزمة الاقتصادية والفشل الأمني. الذي ترجم عبر عودة الاغتيالات السياسية، وتمدد أنشطة الجماعات الإرهابية، التي دخلت في مواجهة مفتوحة مع المجتمع والدولة. واقع جديد يؤشر لانفجار الأوضاع وإمكانية خروجها عن السيطرة. وهو ما عمق لدي إسلاميي تونس الخوف من انتقال أو استنساخ السيناريو المصري.
في ظل هذا المشهد المستجد، والمفتوح على كل الاحتمالات، بدأت تثار في تونس وخارجها، أسئلة حول سيناريوهات مستقبل تونس ما بعد حكم النهضة الإسلامية في تونس. كما طفح للسطح سؤال مهم وهو: هل سينجح "الشيخ" راشد الغنوشي، المعروف ببراغماتيته السياسية، في تجنب مصير "المرشد" بديع؟ وتجنيب النهضة المصير الذي آلت إليه جماعة الإخوان في مصر؟
فشل حكم النهضة ومقدمات لثورة ثانية
بعد سنة و تسعة أشهر من وصول حكومة الترويكا، برئاسة حزب "النهضة" الإسلامي للحكم، يجمع أغلب المتابعين للمشهد التونسي، على الإقرار بأن الحكومة لم توفق في الاستجابة لمطالب الثورة، وأن الأوضاع لم تعرف تغييرا كبيرا عما كانت عليه في السابق. وأن وحدة المجتمع والدولة أصبحتا مهددتين. بعد تنامي مظاهر الانقسام المجتمعي، الناجم عن تقسيم المجتمع إلى إسلاميين وعلمانيين. وفشل السياسة الأمنية، بعد تعدد الاغتيالات السياسية، وتنامي مخاطر وتهديد الجماعات الدينية المتشددة، التي انتشرت وتعددت مناشطها في ضوء تسامح من الحكومة ذات المرجعية الإسلامية.
مثلت حادثتا اغتيال النائب محمد البراهمي في 25 تموز/يوليو الفارط، وقتل مجموعة من تسعة جنود في كمين وضع لهم من قبل جماعة إرهابية في جبل الشعانبي. بمثابة إعلان عن فشل حكومة النهضة في إدارة البلاد. حيث تنادت بعدها المعارضة إلى التوحد ضمن "جبهة الإنقاذ الوطني"، كما نشطت الحركات الشبابية وفق ما تم في التجربة المصرية (بعث تمرد التونسية). الذين استطاعوا النجاح في تعبئة الشارع التونسي، حول مطالب رئيسية وهي: حل الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي وتكوين حكومة "إنقاذ وطني" لإدارة ما تبقي من المرحلة الانتقالية، وإعداد البلاد للاستحقاقات الانتخابية القادمة. في مسعى يهدف إلى إعادة إحياء المسار الانتقالي، الذي تميز بحيوية وبانتقال سلس للسلطة خلال المرحلة الانتقالية الأولى. قبل أن يتعثر خلال حكم النهضة، بل لا نبالغ إذا ما قلنا انه توقف، بسبب عدم إقرار خارطة طريق سياسية واضحة، وتوفير بيئة قانونية ومؤسساتية مناسبة لإجراء الانتخابات، ما جعل الأوضاع تتسم بالغموض والضبابية.
كما تعددت الأشكال النضالية من التظاهر إلى الاعتصام إلى الدعوة لإسقاط ممثلي الحكومة في الجهات وفي الإدارة المركزية.. كما عرفت الأيام الأخيرة، عودة قوية للاحتجاجات الاجتماعية، تحديدا في المناطق الداخلية. وقد وجدت هذه التحركات مساندة وتضامنا من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل. وهو ما أعطاها زخما جماهيريا وإعلاميا، فرض على حكومة النهضة التحرك للبحث عن حل لتجاوز المأزق. خاصة بعد إعلان المركزية النقابية عن مبادرة سياسية لحل الأزمة. وتنص المبادرة خصوصا على "الإبقاء على المجلس الوطني التأسيسي وتقييده بآجال ومهام محددة" وحل الحكومة الوقتية الحالية، لغاية إقامة حوار بناء لتشكيل حكومة كفاءات غير متحزبة". وهو ما لم تتفاعل معه النهضة في البداية. بل أنها وضعت دون ذلك خطوط احمراء، تمثلت في رفض حل الحكومة وحل التأسيسي.
سقوط الإخوان فرض واقعا جديدا في تونس
غير أن أعين النهضة التونسية بقيت مشدودة إلى ما يجري في ميادين القاهرة لتعديل مسارها السياسي في تونس. خاصة و أنها تستحضر جيدا التشابه بين البلدين، في ما يتصل أساسا بالرفض المتنامي – الذي أصبح معه التعايش غير ممكن- بين ما يسمى ب "الدولة العميقة" والحركة الإسلامية (الإخوان في مصر والاتجاه الإسلامي سابقا/النهضة الآن في تونس) كتنظيمات أو كيانات ربطتها في البلدين، علاقات تاريخية عرفت بالتوتر، بل أنها وصلت حد التصادم العنيف مع أجهزة الدولة. إضافة إلى ارتفاع منسوب عدم الثقة والريبة بين الإسلاميين وقطاع واسع بل مهم من النخب الفكرية والسياسية، ومن الطبقة الوسطى (التي تمثل العمود الفقري للاستقرار السياسي والمجتمعي في أي بلد) التي تعادي المشروع المجتمعي الذي تبشر به هذه الجماعات.
ضغط المعارضة، وتراجع شعبيتها في الشارع التونسي، وضعف أدائها في الحكم، إضافة إلى الوقع الإقليمي الجديد الذي نجم عن سقوط حكم الإخوان في مصر، فرض على النهضة الحاكمة تغييرا في أدائها السياسي. فعلى خلاف النهج التصعيدي الذي انتهجه إخوان مصر في التعاطي مع مرحلة ما بعد 30 جوان/يونيو. حيث تم اختيار المواجهة مع مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسة الأمنية والقوات المسلحة. في المقابل فان حركة النهضة في تونس فضلت التفاعل مع المبادرات السياسية، في مسعى منها للخروج من الأزمة التي تهدد عرشها في استمرار حكم تونس. وبالتالي تجنب الخطأ الذي وقع فيه إخوان مصر، الذين فشلوا في التفاعل مع مطالب المجتمع المصري، وبالتالي اختاروا المواجهة الميدانية والانتحار السياسي.
المناورة السياسية بدل المواجهة
من خلال قراءة لتداعيات الشأن الجاري داخليا وإقليميا، على استمرارية التنظيم والجماعة أولا وعلى البقاء في الحكم ثانيا. اختارت قيادة النهضة وخاصة زعيمها الشيخ راشد الغنوشي، الاحتكام إلى السياسية باعتبارها "فن الممكن". فتم القبول بمفاوضات مع المركزية النقابية حول المبادرة التي تقدمت بها لحلحلة الأزمة، وأيضا باعتبارها تلعب دور الوسيط بين النهضة والمعارضة. كما اختار الغنوشي استباق تطورات وتفاعلات الأزمة، ومضاعفاتها السلبية على حزبه. فأختار شق صفوف المعارضة والتحاور رأسا مع أهم فاعل سياسي، وذلك من خلال الالتقاء بزعيم المعارضة ورئيس حركة "نداء تونس" الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي. الذي سبق وأن اتهمه بأنه من رموز "الثورة المضادة". ما مكنه من تحقيق اختراق للجبهة المعارضة، في خطوة فاجأت الفاعلين في المشهد السياسي –بما في ذلك جماعته –
وفي ذات السياق المتسم بالمرونة والبراغماتية السياسية أعلنت حركة النهضة الإسلامية، في تصريح للغنوشي بعد سلسلة لقاءات مع الأمين العام للمنظمة الشغيلة، عن قبولها المبدئي الحوار مع المعارضة العلمانية لحل الأزمة سياسية الحادة التي تعرفها البلاد، وذلك على أساس مقترح للمركزية النقابية ، الذي ينص على استقالة الحكومة الحالية وتشكيل أخرى غير حزبية. وهو ما مثل خطوة لتحييد طرف مؤثر في الحراك السياسي والاجتماعي، عبر قبول مبادرتها كإطار للحوار. وكذلك الاستجابة لوساطتها في القبول ببعض مطالب المعارضة المنضوية ضمن "جبهة الإنقاذ الوطني"، التي طالبت بحل المجلس التأسيسي (البرلمان) المكلف بصياغة الدستور، وبحل الحكومة وتشكيل حكومة "إنقاذ وطني" غير حزبية وبمراجعة مئات من التعيينات في وظائف عليا تقول المعارضة أنها تمت على أساس الولاء الحزبي لحركة النهضة.
وفي تفاعل مع مبادرة الاتحاد ومطالب المعارضة اقترحت حركة النهضة تشكيل حكومة "وحدة وطنية" تنضم إليها المعارضة. ودائما وفي إطار التوجه الباحث عن حل سياسي أعلنت الكتلة البرلمانية لحزب النهضة تغيير فصول مثيرة للجدل في مشروع الدستور الجديد الذي صاغه المجلس التأسيسي ونشره مطلع حزيران/جوان الماضي.
"براغماتية" الشيخ راشد الغنوشي
كما كشف راشد الغنوشي في حوار حصري مع قناة "نسمة" التونسية (ليلة الأحد، 25 أوت/أغسطس) عن ملامح الخطة السياسية الشاملة للحركة. و رؤيتها وتصوراتها و مقترحاتها للخروج من الأزمة السياسة التي تمر بها البلاد. وأكد من خلال عرضه على أن مواقف النهضة تخضع لمسار متدرج و متفاعل مع تطورات المشهد السياسي واستحقاقاته من جهة، ولحاجة المحافظة على موقع ومكانة التنظيم في الحياة السياسية وفي النسيج المجتمعي التونسي من جهة أخري.
أعاد الغنوشي التأكيد على مواقف حزبه السابقة للخروج من الأزمة السياسية. في محاولة منه هدفها ربط جسور الثقة مع بقية مكونات الخارطة السياسية والحزبية. ولتجاوز اتهامات خصومه له ولحزبه بالمناورة والازدواجية في الخطاب. كما أراد أيضا طمأنة التونسيين على أن الحوار والتنازل هو الحل لإنجاح التجربة الديمقراطية. داعيا إلى عقد سياسي جديد بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين. بناء على أن تونس، وخلال هذه المرحلة الانتقالية "لا تحكم من قبل حزب واحد" وفق تعبيره. ومن هنا فان تقسيم السلطة وفق الواقع السياسي الجديد، أمر أكيد ولا مفر منه. ويصبح حتميا الجمع بين "الشرعية الانتخابية والشرعية التوافقية، لحسن إدارة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد". فالاحتكام لنتائج الانتخابات لا يكون إلا في الديمقراطيات المستقرة. وبهذا فان زعيم النهضة، يلمح إلى ما سيكون عليه شكل الحكم، بعد الانتخابات القادمة، والذي سيكون على أساس تقاسم السلطة بين القوي الرئيسية، ومنها حركة النهضة الإسلامية. بعد أن تبين له من فترة حكم حزبه، أن النهضة غير قادرة لوحدها عن تحمل أعباء حكم تونس لوحدها.
وحول مطالب المعارضة وخاصة حل الحكومة، ترك الغنوشي الباب مفتوحا، اذ عبر عن استعداد حركة النهضة لحل حكومة علي العريض بشرط ان يكون البديل جاهزا لان البلاد لا يمكن ان تدخل في الفراغ. وهو هنا يبحث عن مخرج امن لحركته من الحكم، واظهارها بمظهر الحريص على مصلحة البلاد. وبرز من خلال تأكيده: «نحن قبلنا مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل ولن نتراجع في ذلك لكن حل الموضوع يحتاج الى ترتيبات.. ونحن في مناطق الجنوب نقول «ما تبزع الماء كان على الماء»، معنى ذلك أن الطبيعة كذلك تكره الفراغ. وشدد على قبوله مقترح اتحاد الشغل، لكن الحوار هو من سيمكن من بلورة شكل وتركيبة الحكومة القادمة. وفي هذا موقف صريح من النهضة، عن استعدادها للقبول بفكرة الخروج من الحكم، والتخلي عن التمترس وراء مقولة "الشرعية" التي فقدت كل سند شعبي ولا بد من تعويضها بالشرعية التوافقية، كمقدمة للإعداد للمرحلة القادمة.
وهو موقف كانت ترفضه حركة النهضة في السابق، وتتمسك بضرورة الاحتكام لنتائج الانتخابات. وهو تحول مهم تم بناء على قراءة واعية ومدركة لتحولات الحراك السياسي، خاصة بعد بروز فاعلين سياسيين جدد لا يمكن الاستمرار في الحكم دون العودة إليهم. وهذا ما لم يدركه الإخوان في مصر، الذين تجاهلوا قيام ثورة شعبية ثانية على حكمهم، واختاروا سياسة الهروب للأمام، عوضا عن التفاعل مع الواقع الشعبي الجديد. كما لم يترك الغنوشي الفرصة تمر دون نقد النخبة السياسية في الحكم والمعارضة. التي قال "إنها تعيش أزمة، وأزمتها يراد لها أن تنعكس على الوضع العام في البلاد." مبينا "آن الوضع الدقيق الذي تمر به البلاد يستدعي الإسراع بالانتخابات".
ولإرساء مناخ من شأنه أن يقلص من حالة الاحتقان التي تعيشها تونس أعلن الغنوشي تخليه عن قانون تحصين الثورة، مؤكدا على « آن الوقت ليس مناسبا لطرح قانون تحصين الثورة ونحن ندعو إلى عفو قلبي والسماحة ولا مجال إلى طرح هذا القانون قبل الانتخابات ومن المنتظر آن يتم طرح المشروع في إطار العدالة الانتقالية بعد الانتخابات المقبلة". وهو مشروع قانون كان يستهدف أساسا خصما سياسيا للنهضة، وهو الباجي قائد السبسي وحزبه حركة نداء تونس. الذي تحول من عدو إلى شريك سياسي. إذ اعتبر زعيم النهضة "أننا إزاء حزب كبير بواسطته يمكن تحقيق التوازن بالبلاد". موقف مخالف لكل ما سبق، فالي وقت قريب جدا كان الغنوشي وحزبه يعتبر النداء بمثابة تجمع لبقايا فلول التجمع وأهم ممثل للثورة المضادة التي تهدد المسار الديمقراطي، وتخطط لعودة النظام القديم .
ولعل اللافت في تصريحات الغنوشي لقناة "نسمة"، هو تلك الرسالة التي خص بها التيار السلفي الجهادي، الذي تقول المعارضة أنه استفاد من تساهل حكومة النهضة ذات المرجعية الإسلامية, فلم يتردد الغنوشي في وصف عقيدة هذا التيار ب "الفاسدة" والمضرة بالإسلام . و لم يستبعد الغنوشي "إمكانية تصنيف تنظيم أنصار الشريعة كتنظيم إرهابي إذا ما ثبت ضلوعه في الإرهاب". وبذلك يعلن عن "فك الارتباط" مع التيارات المتشددة، وأنه يتبرأ مما تأتيه من أعمال عنف وارهاب. وهو بهذا يستجيب لمطالب القوي الديمقراطية، في ادانة العنف وعدم التعاطي مع السلفية كرصيد انتخابي.
استنتاجات
في تعليق على خطاب الغنوشي تساءل الكاتب هادي يحمد[1] "ما الذي جرى حتى ينقلب راشد على الغنوشي و يقوم في حصة تلفزية واحدة بالتنازل عن كل ثوابت حركة النهضة ومواقفها السابقة والتي دافعت عنها منذ وصولها الى سدة الحكم ؟".
ويجيب يحمد في ذات المقال بأنه و" بلا شك فان عزلة حركة النهضة في المشهد السياسي واحتدام الاستقطاب السياسي بين الإسلاميين والديمقراطيين كان من الأسباب الحقيقية التي تقف وراء التنازلات التي تابعناها لمواقف حركة النهضة و زعيمها الأستاذ راشد الغنوشي". مشيرا إلى أن "كل المراقبين أصبحوا مقتنعين آن حركة النهضة تسير نحو العزلة التامة سياسيا في حال واصلت صم الأذان والتحصن بمواقف الحرس القديم الذي أراد آن يجر الحركة إلى المجهول".
وان كانت مراجعات زعيم حركة النهضة محل جدل داخل الساحة السياسية في تونس، فإنها في الواقع –وبعيدا عن التفسير التآمري – تعبر عن قراءة واقعية للحراك السياسي الداخلي/المحلي، في علاقة بتراجع شعبية حركة النهضة، وتفكك الائتلاف الحاكم الذي تقوده، وبروز حركة احتجاجية سلمية، أصبحت تهدد في نهجها التصعيدي استمرارية حكم النهضة الإسلامية، وبالتالي إعادة استنساخ السيناريو المصري، وان بطرق وشكل وفاعلين مختلفين عما حصل في القاهرة، نظرا لاختلاف الواقع الموضوعي في كلا البلدين، خاصة التباين الكبير في عقيدة ودور المؤسسة العسكرية في الحراك المجتمعي العام في كلا البلدين.
كما كان للتحولات الإقليمية التي شهدتها المنطقة، بعد سقوط حكم الإخوان في مصر، التي تمثل عمقا وامتدادا تنظيميا وإيديولوجيا للنهضة التونسية تأثير بالغ في المراجعات التي أقدمت عليها حركة النهضة في تونس. ويري الكاتب هادي يحمد أنه "بعد المطاردات والسجون والاعتقالات التي شملت قيادات الإخوان وأتباعهم في مصر ، بات من الواضح إن الموقف الحكيم للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه في الدول التي وصل فيها الإسلاميون إلى مرحلة التمكين في السلطة".[2]
وهذا ما أحدث حالة من الانفراج في المشهد التونسي، المتخوف من تنامي مظاهر العنف السياسي، خاصة بعد تتالي الدعوات لتجييش الشارع والاحتكام له عوضا عن الحوار. كما أنه يدعم ضرورة توافق كل الحساسيات السياسية (بدون إقصاء) على استئناف مسار الانتقال الديمقراطي الذي يمر بصعوبات تهدد بانتكاسته. فلعل الحل للخروج من الأزمة السياسية والأمنية الحالية، يكمن في "درء شبح الحرب الأهلية، ويجب على الحكومة والأحزاب الرئيسة في المعارضة المضيّ قُدُماً في تشكيل حكومة شاملة جديدة، واستئناف جلسات الحوار الوطني، واستكمال صياغة الدستور. وإذا لم تعمل القوى الرئيسة في الساحة السياسية معاً، الإسلاميون والعلمانيون على حدّ سواء، لايجاد وسيلة للخروج من الأزمة الحالية، فقد تقع البلاد فريسة لتوجّهات أكثر تطرّفاً وذات طابع استئصالي. فقد قطعت تونس شوطاً طويلاً منذ الأيام الأولى للثورة، ولذا ينبغي تعزيز هذه المكاسب وعدم تركها نهباً للانقسام والتطرف". ولعل مسار الأحداث يمكن أن يسير في هذا الاتجاه، بعد قبول النهضة الاسلامية بفكرة "حكومة محايدة"، تهيئ البيئة المناسبة للانتخابات القادمة.
_________________________________________________________
المراجع
1- هادي يحمد، موقع "حقائق أون لاين"
2- المرجع السابق
3- محمد كرو، موقع "كارنجي"
التقرير نشر في موقع العربية دراسات ويعاد نشره في موقع حقائق اون لاين بالاتفاق مع الكاتب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.