رغم الحجوزات اليومية لسائر أجهزة الرقابة تؤكد عدة مؤشرات أن بارونات السوق السوداء هم المتحكّم الفعلي اليوم في مسالك توزيع السجائر. تونس (الشروق) بل إنه عقب انتهاج سياسة تجفيف المنابع منذ أواسط سنة 2015 باستهداف مسالك التهريب حوّلت مافيا السجائر وجهتها من التوريد العشوائي للمنتوجات الأجنبية المصنّفة في الجزائر وبعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الى الاستثمار في مسالك توزيع السجائر المحلية. شبكة توزيع موازية وتؤكد معاينات ميدانية أن مافيا السجائر قد تمكنت من إرساء شبكة توزيع موازية تعتمد على أسطول من السيارات التجارية أو المتسوّغة تقوم بتوزيع السجائر المحلية على الأكشاك ومحلات الفواكهة الجافة. وفي خضم هذه التطورات أصبحت «التسعيرة القانونية» مجرد حبر على ورق حتى في بعض المحلات الحاصلة على رخص توزيع «قمرق» فيما يعمد بارونات السوق السوداء الى فرض أسعارهم الخاصة التي تتضمن زيادة بين 10 و25 بالمائة مقارنة بالتسعيرة والأغرب من ذلك أن بعض بارونات السوق السوداء يتصرّفون كشركة توزيع منظمة من خلال إصدار وصولات بيع في معاملاتهم مع الأكشاك ومحلات الفواكه الجافة تحدّد سعر البيع للمستهلك وهو ما يعني أن مافيا السجائر أصبحت تحدّد التسعيرة بدل الدولة. رخص وهمية تؤكد سجلات اجهزة الرقابة أن مافيا السجائر قد تغوّلت عبر استثمار عدة إخلالات في شبكة التوزيع منها المئات من رخص التوزيع «قمرق» الصورية أي التي لا يمتلك أصحابها محلات أصلا ويعمدون الى التفويت في حصة السجائر المضمنة بالرخصة الى بارونات السوق السوداء حال الحصول عليها من شبابيك وكالة التبغ وذلك مقابل مبالغ تصل الى 500 دينار للشحنة الواحدة. سحب 70 رخصة وأعلن ياسر بن خليفة المدير العام لجهاز الأبحاث الاقتصادية في المقابل عن وجود منحى تراجع لهذه الظاهرة عقب تشديد الخناق منذ نحو عام على رخص التوزيع ومسالك التوزيع الموازية بما في ذلك المخازن العشوائية مؤكدا وجود تنسيق يومي مع السلط الجهوية ووكالة التبغ خاصة من خلال السحب الآلي لكل رخصة توزيع «قمرق» يتأكد من أعمال المراقبة أن صاحبها لا يمتلك محلا أو يعمد الى التفويت في الحصة لشبكات التوزيع الموازية. وتابع أن ولاية تونس وحدها شهدت في الآونة الأخيرة سحب أكثر من 70 رخصة توزيع في نطاق تجفيف منابع السوق السوداء فيما بلغت الحجوزات 160 ألف علبة سجائر منذ بداية هذا العام. وفي المقابل دعا لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك الى تنفيذ إصلاح هيكلي لشبكة إنتاج وتوزيع السجائر في تونس مؤكدا أن المنظومة الحالية تجاوزتها الأحداث وأصحبت مستنقعا للمضاربة والفساد. واقترح لطفي الرياحي في هذا الصدد إعادة تنظيم وكالة التبغ باتجاه إحداث فرع لها يُعنى بالتوزيع مؤكدا أن شبكات التوزيع الموازية قد استغلت هذا الفراغ. كما دعا الى تنفيذ سياسة وقائية للحد من معدلات ارتفاع نسبة المدخنين في المجتمع بما في ذلك إعادة العمل بالعزل بين المدخنين وغير المدخنين في الفضاءات العامة وتعميق الوعي بالمخاطر الصحية الجسيمة لآفة التدخين في المناهج التعليمية.