ما فرضت صلاة المغرب في مهلة محدودة جدّا من وقت الغروب إلاّ لحكمة إلهيّة تبدو آياتها واضحة للعيان والأسماع في سكون جميع الكائنات عن الحركة والصوت مهما كانت الريح قبل ذلك الوقت. تلك لحظات تأمّل و تسبيح أو حزن أو سعادة ، هكذا أشعر بها وأتصرّف فيها مخالفا سائر أوقات النهار المفعمة بالنشاط و الضجيج . وأكثر ما يشغل بالي هذه الأيّام ، بأكثر من عشريّة الثورة ، وضع البلاد إثر تشخيصه بعبارة رئيس الجمهوريّة في عيد الاستقلال و بكامل الشجاعة و الصراحة : « تونس مريضة» . ومن أسباب علّتها ، في نظره مع الكثيرين، الدستور الذي تأكّد تنقيحه . ومن حلول معضلتها الوحدة الوطنيّة وإن صارت عسيرة، و ليست مستحيلة . وهذا اعتراف بفشل الحكومات و السياسات و التحالفات لغياب الرؤية وسوء التصرّف وتفشّي الفساد و اللّامبالاة، مع أشكال متنوّعة ومتتالية من المصائب و الكوارث. في وضعنا هذا لا أحد يتحمّل المسؤوليّة وحده، بل نتحمّلها معا و إن بنسب متفاوتة ما دمنا كلّنا مشاركين فيما تردّينا إليه على جميع الأصعدة ، من الاقتصادي إلى الاجتماعي إلى القيمي ، بانتخاباتنا ومناوشاتنا و اعتصاماتنا و إضراباتنا ، مع الترهيب و التهريب . وإنّما يبدأ العلاج من العقول و الضمائر لأنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم . لقد حاربت دولة الاستقلال ، باسم المعركة الكبرى ، عقليّة « رزق البيليك» متمثّلة في إهدار المال العام و العبث بالممتلكات العموميّة، و رفعت شعار « الصدق في القول و الإخلاص في العمل « و إن لم يكن القول صادقا و العمل مخلصا بالقدر المنتظر حتّى سخر منوّر صمادح ( 1931 – 1998 م ) : شيآن في بلدي قد خيّبا أملى الصدق في القول و الإخلاص في العمل ولكنّ المعركة لم تنته ، و الاستسلام لن يكون ما دام في بني عمّك رماح ، كما يقال . ورماحنا هي « المادّة الشخماء « بعبارة الزعيم الراحل ، أي أفكارنا التي تخطّط و سواعدنا التي تنجز على درب الإصلاح و البناء . و اليوم ، وقد يئس الشعب الكريم الصبور من نخبه السياسيّة في السلطتين التشريعيّة و التنفيذيّة ، بعد ضياع عديد الفرص، وجب عليه أن يأخذ بزمام المبادرة معوّلا على نفسه في قدراته ليجعل من الضعف قوّة ، و يفجّر من الإحباط أملا ، و يبني بعزمه مستقبلا . أيّها العابثون السائحون بين الأحزاب و المقاعد ! كفى لعبا ونفاقا ، فالوطن لا يتحمّل منكم أكثر ممّا أجرمتهم في حقّه و استنزفتم من خيره إذ تكالبتم على تقاسمه كالغنيمة .. لم تعد وعودكم الكاذبة و نواياكم الجشعة تنطلي على أحد .. لم يبق بيننا و بينكم إلاّ الصندوق لإعادتكم إلى حيث كنتم كما لم نعرفكم . تونسنا الحرّة المناضلة ، التي لا مستقبل فيها لمن خانها ، تستحق خيرا منكم في القيادة وأحسن ممّا صيّرتموها إليه في المعيشة والمكانة بين الدول .. لن تخسروا شيئا في جميع الحالات ، تحسّنت أو تعكّرت ، لأنّكم تعرفون العاقبة فاستعددتم لها في حدود مصالحكم بما نهبتم لكم و لأحفادكم . الخاسر هو المواطن البسيط و المتوسّط ، و الشباب العاطل المحروم من حقّ الطموح والحلم ، و المهووس بفكرة الانتحار أو الارتماء في صفوف « داعش» أو المجازفة بالإبحار . و شعبنا الأبيّ المسالم ، الذي اتّحد ضدّ الظلم و الاستبداد ، سيقف للبلاد ضدّ الخيانة و الفساد، و سيعمل متداركا ما فات لأنّه أراد الحياة .. و لا بدّ أن يستجيب القدر .