قال شاعر الاستقلال في تونس المنور صمادح: شيئان في بلدي قد خيّبا أملي الصدق في القول وال إخلاصُ في العمل قديمًا رفع شعار »الصدق في القول والاخلاص في العمل« في الممارسة الأمنية والثقافية والسياسية، تبخر هذا الشعار في زمن الديكتاتور بن علي وهو الآن بعد الثورة محلّ جدلٍ عميقٍ. فما يحصل اليوم في المشهد الثقافي يبعث على الخيبة. لأنّ الجيل الجديد منزوع السلطة الفكرية. فمن يملك الانتاج الفكري في تونس؟ لا أعتقد أنّ كتاب تونس الشبّان يملكون انتاجًا فكريا لأنّهم لا يملكون وسائل الانتاج فهم ليسوا من موظفي وزارة الثقافة وليسوا تجّارًا بل انّ أغلبهم شباب جامعي معطّل عن العمل محروم من الوظيفة وممنوع من نشر الكتاب لذلك فإنّ ضرب المؤسسة الثقافية السائدة مطلب عاجل لا محيد عنه، من أجل دعم العمل الثقافي الجديد وإسقاط الرقابة على الثقافة. ولنتحوّل من »نشل الكتاب إلى نشر الكتاب« وتعميمه ووضع حدّ لابتزاز الناشرين وبخل ادارة الآداب ودهاء مندوبي الثقافة. لقد ظلّ الأدباء الشبّان ينتظرون فرصة عمل كريم ليتمكّنوا من نشر أعمالهم الأدبية الراقدة في الأدراج. واحتكر أصحاب المال فرصة النشر والاعلام الثقافي وانعدمت فرصة المزاحمة الجمالية وغاب الجدل الثقافي، لأنّ الثقافة يملكها ذوو القدرة المالية على انتاج أعمال ثقافية وترويجها في سوق الثقافة لذلك تفسّر غياب معارك نصوص جمالية في ظلّ غياب أدب شبابي جديد ملتزم يقطع مع ما يُقرأ في مجموعات شعريّة كثيرة تافهة وأعمال سينمائية »حمّاميّة«. لقد كانت فرص الدعم مشروطة بالولاء السياسي والعدّة المادية ومباركة أهل الذكر. إنّ من يملك »الدينار الشعري« هو وحده القادر على نشر الشعر وأمّا الشعراء الشبّان فلا يملكون إلاّ أن يركضوا في مائة وخمس وستين ألف كيلومتر مربع من التراب التونسي شمالا جنوبا وشرقا وغربا من المهرجانات الأدبية في تونس ركضا خلف الجوائز الأدبية ومحاولة لإنتاج ثقافة مغايرة بديلة تاركين أصحاب رأس المال الثقافي يبتزون المال العام ويحتكرون وسائل الاعلام وإذاعة تونس الثقافية وإدارة بيت الشعر التونسي الذي تحوّل هو أيضا إلى دار نشرٍ تماشيا مع ثقافة جمع الأموال. لقد فشلت كلّ الهياكل الثقافية البالية في دعم أدب الشباب بل رغبت إلى مراقبته ومحاصرته ومساءلته وإغلاق الأبواب دونه تحت شعار »الولاء أوّلا«. ولو نظرنا إلى المشهد الشعري في تونس لوجدنا أكثر من خمسين شاعرا يصنّفون شبابًا لأنّهم لم ينشروا كتبا ولأنّ فرصة النشر تمثّل بالنسبة إليهم فرصة لإحراج السياسة الثقافية فأغلب عناوين المشاركة الثقافية هي عناوين التطبيل لبن علي باعتبار أنّ الحزب الحاكم أكبر من الدولة فقد كان مسيطرا على الممارسة الثقافية فإمّا المشاركة وإمّا المغادرة بالاضافة إلى هشاشة المشهد الثقافي المتعارض مع النظام البائد ومحاصرته. وحدهم الموظفون وكبار »المصفقين« قادرون على الانتاج والسيطرة والملكية الفكرية لأنّه لا أحد يدعّم الشبان دون قيد أو شرط. لذلك فإنّ ثقافة الشباب بقيت مرتبكة باعتبارها محاصرة من طرفين إمّا الولاء للسلطة وإمّا الالتحاق بالنضال السياسي الذي يعتبر العمل الثقافي جملة باهتة في الصفحة الأخيرة في النشرة الأخيرة لذلك لابدّ من إسقاط المسؤولين عن الممارسة الثقافية البنعلينية من بيت الشعر واتحاد الكتاب وتغييرهم بشباب مناضل وقد حانت الفرصة الآن الآن وليس غدا لإدارة شؤون الأدب التونسي والشعر التونسي تحديدا من طرف أدباء شبّان ينتظرون فرصة النشر خاصّة أنّ أغلبهم شبّانٌ جامعيون ساهموا في صناعة ربيع الثورة. لقد قتلت ثقافة الديكتاتور مثقفين كثيرين وقهرتهم وخنقتهم بالغاز وأصابت قلوبهم فقتلوا صبرا وانتابتهم أزمات قلبيّة حادة. لقد كانوا ضحايا منظومة ثقافية بالية أثّرت في سلوكهم وأخلاقهم وأعصابهم. كم موجع أن نتلف ذاكرتنا ونقتل كتّابًا مازال في نفوسهم شيء من »حتّى« وننصب لهم مكائد جمة ونستثمر موتهم منهم عبد القادر الدّردوري والمنور صمادح وعامر بوترعة ومحمد رضا الجلالي ومحي الدين حمدي والهادي نعمان ورقية بشير... نرجو ألاّ نقتل المزيد من مثقفينا الأحرار الصّادقين.