ارتفاع درجات الحرارة بطريقة استثنائية تحول الى حديث الساعة بالنسبة للمواطنين والخبراء والفلاحين لان انعكاساتها خطيرة ومخلفاتها كبيرة. تونس «الشروق»: كل المؤشرات والمعطيات تفيد بان حرارة الطقس لم تعد عادية ولم تعد الفصول مقسمة بين صيف وخريف وشتاء ثم ربيع كما عهدناها سابقا بل اننا يمكن ان نرى أربعة فصول في يوم واحد ، ولاحظنا خلال الاشهر الماضية كيف ان ملابس المواطنين مختلفة بشكل يلفت الانتباه اذ منهم من يرتدي ملابس صيفية جدا الى جانب شخص يرتدي ملابس شتوية جدا ، بل لم يعد الواحد منا يعرف ماذا يرتدي صباحا وهو في اتجاه العمل أو قضاء شأن ما. وحالة الارباك هذه لها علاقة بثقب طبقة الاوزون وماخلفته من ارتفاع في مستوى حرارة الارض على عديد البلدان حتى ان بعض البلدان يعاني سكانها حاليا من ارتفاع نسبة امراض سرطان الجلد وبلغت انعكاساتها حد احتراق السيارات في بلدان الخليج. ومن الاهمية بمكان ان يعي المواطن ان الحرارة لها انعكاسات سلبية على جميع اعضاء جسمه بل لها تأثيرات ايضا على الجانب النفسي لانها تحدث تعكرا في المزاج وسبل الوقاية ومجابهة هذه الحرارة يجب ان تكون بوعي شديد من الجميع باستعمال أجهزة التكييف واللجوء الى المناطق الساحلية حيث البحر دون الخروج عند القيلولة وكذلك الاستحمام بالمنزل وخاصة كثرة استهلاك الماء والغلال التي تحتوي على الكثير من الماء كالبطيخ والدلاع. قال هيثم الجارودي مهندس فلاحي ان موجة الحرارة هي موجة تجاوزت المعدلات العادية وهي سابقة لاوانها لانها تسمى «بغصرة اوسو» والتي عادة تظهر خلال النصف الثاني من شهر جويلية واضاف ان هذه الحرارة توفر المناخ المناسب لاندلاع الحرائق وهي أيضا عامل أساسي لاندلاع الحرائق دون تدخل بشري. وفيما يتعلق بانعكاساتها على قطاع الزراعات الكبرى قال ان لها ايجابيات على صابة الحبوب ومفيدة للقمح الصلب والقمح اللين ولكنها تعطل عملية الحصاد وجمع المحصول ولاحظنا ان عملية الحصاد تتوقف بين الساعة الحادية عشر صباحا لتستأنف العمل على الرابعة بعد الزوال بينما في يوم بحرارة عادية يتم تخصيص ساعة واحدة للراحة وهو ماينعكس على الفلاح بخسارة الوقت وارتفاع كلفة الحصاد من كراء المعدات بالنسبة خاصة للفلاح الذي يلجأ للحصاد عن طريق الكراء كما تساهم بنسبة مرتفعة في تهرم صابة القوليات والقصيبة لذلك يلجأ الفلاح لحصادهما ليلا او عند الفجر لتقليص نسب الضياع واشار الى ارتفاع درجات الحرارة بصفة غير عادية يؤثر ايضا على قطاع الخضر والغلال الصيفية خاصة الطماطم والدلاع والبطيخ الذين يتطلبون كميات هامة من الماء وبالتالي تصعب عملية الري مع سرعة جفاف الارض والتبخر وقال في نفس السياق :» كمتابعين للشأن الفلاحي لاحظنا كذلك عملية تعرق النباتات الذي خلق مناخا لظهور بعض الامراض واحدث توترا وضغطا للنباتات. الدكتور خالد كبوس .. أضرار صحيّة تصل إلى السرطان قال الدكتور خالد كبوس بأن حرارة الطقس وأشعة الشمس غير العادية تخلف أضرارا جسيمة ويجب توخي الحذر من مخلفاتها وهذه المخلفات يمكن أن تكون خطيرة كاحتراق البشرة التي يمكن ان تصل الى حد الاصابة بسرطان الجلدة كما تسبب حالات الجفاف العضوي خاصة عند الأطفال وكبار السن وذوي الأمراض المزمنة. وأضاف أن حرارة الطقس تسبب سرعة التعفن في جميع المأكولات خاصة بالمطاعم والماء الراكد مع انتشار البعوض والحشرات والجراثيم. وأكّد ضرورة الحذر والوقاية وذلك باستعمال المراهم الواقية للجلدة وتجنب الخروج عند أوقات ذروة الشمس والاكثار من شرب الماء بإستمرار والحذر من الطعام غير المحفوظ والمتسبب في عديد الأمراض كالإسهال والتقيء. مع الحرص على مقاومة الحشرات. الأستاذ جميل الحجري خبير في المناخ .. اليقظة والتوقي والاستعداد للأسوإ قال الخبير في علم المناخ جميل الحجري ورئيس قسم الأمن المائي بالمركز التونسي ل«الشروق»: تعرف البلاد التونسية هاته الأيام ارتفاعا ملحوظا في درجات الحرارة وصفته نشرات المعهد الوطني للرصد الجوي بالمُتجاوز لمعدلات الشهر ويرتبط هذا الارتفاع الملحوظ بتواتر لموجات من الحر حملت معها رياح الشهيلي الحارة وهي الظاهرة التي تتواتر عادة في شهري جويلية وأوت. وأضاف يبدو ان هذا الوضع المُعاش غير عادي ولمعرفة مختلف جوانب الموضوع وحقيقة ما يُتداول عن استثنائية الوضع الجوّي ببلادنا ومن المهم توضيح مفهوم المعدّل الوارد في نشرات المعهد الوطني للرصد الجوّي والمقصود بذلك هو معدّل ما يُعرف بالفترة العادية وهي فترة ممتدّة على 30 سنة مرتبطة بدورة الأنشطة الشمسية وتشمل مختلف القيم المتطرّفة لهذا ما يحصل هاته الأيام ليس استثنائيا وأتحدث هنا عن تونس لأن بعض الظواهر التي حدثت بالتزامن في دول أخرى كانت استثنائية بكل المقاييس. وباستفسارنا عنها أفاد الحجري بأنه خلال الأسبوع الجاري سجلت ثلاثة دول عربية أعلى درجات حرارية في العالم حيث بلغت 63 درجة مائوية بالكويت و55.6 درجة بالعراق و55 درجة بالسعودية. الى الحد الذي اذابت فيه أشعة الشمس الحارة في الكويت لبلاستيك السيارات مثلما تداوله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي. ويضيف في ذات السياق بأنه من المُفيد التذكير بأننا على وشك بلوغ الحالة المتطرّفة لوضع الأرض في حركتها السنوية أي انقلاب جوان (21 جوان) والذي من نتائجه المعروفة أن تونس تصبح تحت تأثير الحركة الجوية الجنوبية بما يعني ذلك من ازدياد تواتر رياح الشهيلي وتقلّص التأثيرات الباردة الشمالية. ويستدرك القول بأن كل هذا لا يعني مُطلقا أننا لم نرصد ظواهر لم نألفها وذلك منذ جويلية 2018 ويعدّدها كالآتي: * في شهر جويلية 2018 سجلنا لأوّل مرّة صنف طقس حار (الشهيلي ) امتد على 14 يوما (اكثر من 30 درجة مئوية) علما بأن اصناف الطقس عندنا لا تتجاوز في الغالب 3 أو 4 أيام. * في شهر أوت الكل يتذكر الجميع فيضانات هذا الشهر * استمرار ارتفاع درجات الحرارة الى شهر نوفمبر * استمرار البرودة الى شهر ماي وبالتأكيد فانّ هذه الظواهر كانت تأثراتها جد خطيرة. وعلى سبيل الذكر فان حرارة جويلية اكسبت مثلا ذبابة «توتا ابسولوتا» الحافرة للطماطم حصانة ضد الأدوية المقاومة وهو ما اضر كثيرا بالإنتاج. كما أن امطار اوت وسبتمبر وتواصل ارتفاع درجات الحرارة الى شهر نوفمبر احدثت اضطرابا بيولوجيا لدى العديد من الأشجار والنباتات فأزهر البعض منها وأثمر في الخريف في صورة مُشابهة لما يحدث عادة في فصل الربيع. لكن الأخطر من كل هذا يُضيف الأستاذ الحجري ما لاحظناه اخيرا من ازدياد تواتر الحالات الحرارية المتطرّفة حيث عشنا فترات حارّة تعقبها فترات باردة سبقتها فترة طويلة من البرودة والتي اخّرت كثيرا الموسم الفلاحي لهذا لا غرابة ان نرى اسعار الطماطم والفلفل مرتفعة الآن لأنّ انتاجها العادي تأخر بفعل تواصل تلك البرودة. ومن المفيد التأكيد على اهمية ازدياد تواتر الحالات الحرارية المتطرفة التي عشناها مؤخرا (برودة يعقبها ارتفاع في درجات الحرارة). وهي احدى نتائج استقراءات التغيرات المناخية. فهل يعني هذا ان دينامكية الطقس قد تبدلت؟ للإشارة نقول بانّ هاته الوضعية ناتجة بالأساس عن حركة جوية طولية (من الشمال تأتينا بالبرودة ومن الجنوب تأتينا بالحرارة). هاته الوضعية الجوية ليست استثنائية لكنها ليست الطاغية فالحركة العادية عندنا هي حركة نطاقية وكلها مرتبطة بما يُعرف بالتأرجحات الشمال اطلنطكية. فهل يعني هذا بأن هناك تغيرات في طبيعة الحركة الجوّية؟ لا نستطيع الجزم بأي شيء الآن. ويُضيف الأستاذ الحجري أن من نتائج هاته التوترات استفحال بعض الأمراض ومنها خاصّة مرض الميليدو والذي تناوله بدراسة مستفيضة في علاقاته بالتغيرات المناخية وهي الدراسة التي ستنشر في منشورات الجمعية العالمية لعلم المناخ. ويؤكد الأستاذ الحجري على أن 40 سنة من التحذيرات المتعلّقة بالتأثيرات الاحتمالية للتغيرات المناخية لم تغيّر شيئا الى الحد الذي حذٍّرت فيه احدث دراسة من انّ الأرض ستصبح غير قابلة للسكن والعيش فيها. (تحذير جديد نشر في journal Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS).). وهي وان كانت نظرة تشاؤمية قصوى لكنها ترتكز على العديد من الحقائق المُعاشة والتي تتطلب اليقظة والتوقي والاستعداد للأسوأ. وتشير دراسات أخرى الى أنّ مُناخ الأرض يقترب من «نقطة التحول» (حسب ما ورد في منشورات NASA et du Columbia University Earth Institute,). لكل هذا يؤكّد الأستاذ الحجري على أهمية الانكباب على دراسة هاته المسألة لخطورة ما يمكن أن يترتب عنها على الاقتصاد والعباد.