ما من مناضل ثوري لا يبحث عن سلطة ولكن ما من مناضل ثوري حقيقي تكون السلطة بالنسبة له هدفا لذاتها او غاية في حد ذاتها السلطة دائما وسيلة أو ذريعة، أو اداة تمكن الثوريين أصحاب الرؤية الشاملة المتكاملة من تغيير المجتمع تغييرا شاملا ومتكاملا وكل طريق يؤدي الى السلطة بهذا المعنى مشروع ومبرر مادام بوسعه ان يقود في النهاية الى تحقيق المبادئ وتجسيد الحلم. وفي كل الثورات التي تحققت حتى الان في عالمنا، برجوازية كانت او اشتراكية ليس هناك (جماهير) تزحف وحدها وتجتاح النظام القديم وتقيم على انقاضه سلطة نظامها الجديد، و انما هناك دائما في الثورات الناجحة على الاقل قيادة طليعية تنهض في لحظة الثورة بالعبء الاكبر و الاخطر والقيادة بغير جسد فانه من المستحيل ايضا ان يتحرك جسد بغير رأس. وحيوية الثورات مثلما هي حيوية الجسد البشري تتألق بالوحدة العضوية بين قمتها وقاعدتها وتتناسب طرديا مع عمق الارتباط الجدلي بين المركز والموجه والأطراف المستجيبة. ولقد تكاملت لدى القيادة الحزبية في العراق في تلك الايام الحافلة من عام 1968 قناعة مبنية على حسابات التحليل العلمي والجماهيري بان النظام القائم يتهاوى من داخله بفعل تناقضاته الحادة نفسها وان الحركة الثورية داخل البلاد باتت قادرة بإمكاناتها الذاتية على النهوض بعبء التغيير السياسي والاجتماعي ولم تعد لحظة الثورة نفسها تتطلب سوى القيادة (الحكيمة والحازمة) التي تخطط وتقرر وتقيم تحالفاتها المؤقتة او الدائمة وتقود التناقضات المحتدمة الى حلها الثوري غير ان حكمتها لا ينبغي ان تتمثل فقط في الفهم العميق لتناقضات اللحظة الثورية على المستوى النظري وإنما بدرجة لا تقل عن ذلك خطورة وأهمية في القدرة على امتلاك فن أساليب العمل الثوري نفسه اي التمكن من فن صناعة الثورة في الواقع العملي. والأسلوب الذي اختارته هو ان يسقط النظام من داخله، من الواقع الذي يأتمنه ومن الموقع الذي يأتمنه، ولذلك جرى البحث سريعا عن (حلفاء) مؤقتين من بين اعمدة النظام نفسه يعاونون في مهمة التغيير في نفس الوقت الذي كان يجري فيه التركيز على بناء وتدعيم اجهزة الحزب. وفي تلك الفترة وصل (حردان التكريتي) من اوروبا حيث كان يقيم بعد ان ابعده عبد السلام عارف اليها - الى بغداد – وجرى الاتفاق على ان يكون حردان واسطة – فلتر – بين القيادة و ابراهيم الداوود، الذي كان قائدا للحرس الجمهوري ذلك الذي سوف يصبح – طبقا لخطة القيادة – نقطة التهاب الثورة داخل النظام نفسه ولقد كان اختيار حردان الذي لم تكن له علاقة تنظيمية بالحزب مطمئنا في مثل هذه التحالفات المؤقتة التي تخضع في الطرف الاخر منها – اي طرف اعمدة السلطة القائمة – لطبيعة المصالح الشخصية والأهداف الذاتية التي يتطلع اليها طمعها او طموحها. وتمت في الوقت نفسه عمليات موازية مهمة : استكملت القيادة بناء الجهاز الخاص من المناضلين الحزبيين المجربين المعروفين لها شخصيا وجرى تجميع لقطع السلاح وبخطة صبورة متأنية تم شراء الملابس العسكرية التي سوف يرتديها اعضاء القيادة و أعضاء الجهاز الخاص لحظة اقتحام القصر الجمهوري ووضعت جميعها في مخابئ سرية جرى ترتيبها في بيت احمد حسن البكر وصدام حسين. وكعملية تغطية ضرورية حتى لا يلتفت النظام الى اية حركة غير عادية من جانب الحزب كانت الخطة تقتضي اغراق معظم اعضاء الجهاز الحزبي في عقد ندوات واسعة تناقش مسألة كانت مطروحة في الساحة السياسية العراقية ايامها وهي : هل نشترك بالحكم ام لا؟ من يوافق؟ ومن يعترض؟ ويجري توزيع بعض الرفاق القياديين على هذه الندوات كي يوجهوا النقاش في اتجاه رفض المشاركة في الحكم. في ذلك الوقت تكون ثمة عملية اخرى تجري بسرعة وسرية بالغة : تجميع رفاق محددين في اماكن محددة كانت ثلاثة اماكن على التحديد هي بيت اديب المفتي وبيت كريم الندا وبيت سعد الراوي، يكونون على اهبة الاستعداد للتحرك عند اشارة البدء اما (الجهاز الخاص) فلقد تقرر ان يتجمع اعضاؤه في (كازينو) 14 تموز – يوليو(جويلية) بحي الكرخ. يتبع