* الانسان في الحياة... لا يفشل... ينجح أو يتعلم * العمل النقابي أسمى من العمل السياسي اليوم * الساسة في تونس اليوم اغلبهم هواة ومراهقون * ورثت عن الوالد الة الفيولنسال، ومشاكل قطاع الموسيقى وما يعانيه من فوضى ومحسوبية سليل عائلة فنية عريقة... نجل العازف الأول على الة «الفيولنسال»بفرقة الموسيقى للإذاعة التونسية عبد الستار بن عيسى.. الدكتور نوفل بن عيسى الذي صاغ صفحات استثنائية في عالم الموسيقى من خلال المزاوجة بين البحوث الاكاديمية في العلوم الموسيقية وإنتاج وابداع المشاريع التي لها طابعها الخصوصي المنتصر لما يعتبره « فكرة ثقافية « لأجل ذائقة إبداعية تنتصر لكل جميل في الوجود وتمقت كل ابتذال وسطحية في الإنتاج الموسيقى . * ما مدى تأثير البيئة التي ولدت وترعرعت فيها على تكوينك الموسيقى؟ - أهم تأثير هو حين امتهنت الموسيقى وجدت نفسي في وضعي الطبيعي ومحاطا بأعلام المهنة والقطاع يعاملونني معاملة الأب لابنه أو الاخ لأخيه الأصغر ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر الأساتذة صالح المهدي ومحمد سعادة وعبد الحميد بنعلجية والطاهر غرسة رحمهم الله والأساتذة أحمد عاشور حفظه الله وأنا مدين لهم بالكثير وبما توصلت إليه. * ماذا ورثت عن الوالد الراحل عبد الستار بن عيسى؟ - ورثت عنه الة الفيولنسال ومشاكل القطاع وما يعانيه من فوضى ومحسوبية وانتصاب فوضوي بسبب غياب إطار قانوني ينظم القطاع ويحمي المهنة من الدخلاء والانتهازيين كما ورثت عنه محبة الناس واحترامهم له ومنهم شخصيات ما كنت لأعرفهم لولا محبتهم له وما ترك لديهم من ذكرى طيبة ومنهم الأستاذ الأجل المناضل جلول عزونة والاعلامي الفذ كمال الشريف والمخرج الالمعي المنصف المكشر إذ أنه كان طيبا خلوقا يدافع على الحق وعلى المظلوم ويعترف بالجميل وكوني ابنه فهذا شرف لي عظيم والحمد لله. * هل كان بالإمكان ان تكون في منصب اخر غير الاهتمام بالموسيقى؟ -امتهاني للموسيقى «مكتوب ربي» و»قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» * عديدة هي المحطات الفنية في مسيرتك. أي هذه المحطات التي بقي لها حضور خاص في الذاكرة؟ -الفترة التي قضيتها في باريس إذ سنحت لي بفخر الانتماء إلى جامعة السوربون كطالب وبمواصلة دراسة الموسيقى والفيولنسال بمعهد موسيقى بباريس وامتطاء ركح اكبر المسارح والفضاءات الفنية والثقافية في أوروبا والعالم والمشاركة في تربصات عالمية وعالية المستوى والسفر الى أكثر من بلد والعيش في مدينة الأنوار كفنان له شغف خاص بالثقافة والأدب كما أن انتاج برامج موسيقية بقناة 21 التلفزية تركت لدي اثرا طيبا خاصة انها سنحت لي بالتعامل مع رجل «استثنائي « وهو مديرها انذاك الأخ لطفي بن ناصر فضلا على من تعاونت معهم من مخرجين وتقنيين اذ تعلمت منهم الكثير وانا مدين لهم والحمد لله حافظت على صداقة معظمهم. * ألم يكن بالإمكان الاختصاص في التلحين.. بعيدا عن تدريس الموسيقى؟ لو فعلت هذا لعشت متسولا إذ أن في بلادنا لا حقوق للملحنين والمبدعين وحتى الابداع الفني الحقيقي لا يقدر حق تقديره والدليل ان اغلب ما يقدم في المهرجانات تجاري وتنشيطي وما ابعده عن االثقافي والفني . * هناك من يعتقد ان التكوين الأكاديمي يكبل خيال المبدع في المجال الموسيقى ويقيده بشكل كبير. كيف تنظر الى المسالة؟ هذا كلام لا معنى له فالموهبة شرط أساسي والتكوين ضروري وحبذا لو ارتقى الى المستوى الأكاديمي أما الخيال فهو «حاجة ربي»». * أشرفت على تسيير دورات بعض المهرجانات.. الى أي مدى يمكن القول إنك نفذت البعض من قناعاتك الموسيقية عند اختيار العروض؟ لم يكن لي قناعات موسيقية بل فكرة ثقافية وتصور وما توصلت اليه بكل تواضع في الفترة التي سيرت فيها مهرجاني بوقرنين في 2014 والزهراء في 2015 هو اعادة اشعاع هذه المهرجانات في ظروف عسيرة كانت عاشتها البلاد من جراء الارهاب والترهيب وهشاشة الدولة التي كان يحكمها قوم من الذين «يقولون ما لا يفعلون» ومن أقوالهم التي لم تتجسد على ارض الواقع «التعويل على الثقافة... « وفي حين كنت ادير المهرجانات متطوعا كانت وزارة الثقافة غير مبالية بما يحدث وبحاجيات الضاحية الجنوبية للعاصمة الثقافية الى ان حل بها الوزير الحالي محمد زين العابدين وقرر أن تتكفل الوزارة بديون مهرجانات ولاية بن عروس والترفيع فيما يسند لها من منح وأما عن الحكم على آدائي كمدير للمهرجانات التي سيرت فليس مهمّا وليس من مشمولاتي. الأولوية للمستقبل إذ أن الماضي ولى وانتهى وفيما يخصني «شعفة وتوبة» * كيف تقيم تجربتك على رأس فرقة بلدية تونس للموسيقى؟ بالنسبة لي كانت تجربة شيقة ومفيدة خاصة أنها سنحت لي بشرف التعامل مع سيدة ثقافة عظيمة وهي السيدة خديجة كمون وسيدة أخرى راقية وهي الاستاذة نجاة فخفاخ كما أن هذه الفرقة حين كنت أديرها ساهمت في إبراز طاقات موسيقية شابة حينها اذكر منهم على سبيل الذكر عازف الكمنجة محمد الاسود المدير الحالي للفرقة الوطنية والمطربتين رحاب الصغير ومنجية الصفاقسي والمطرب سفيان الزايدي القائد الحالي للمجموعة الصوتية لفرقة الرشيدية والملحن الالمعي نوفل المانع وغيرهم كثر ممن صاروا معروفين وواصلوا المسيرة بكل ثبات والحمد لله. * هل ندمت عن قرار ما في حياتك؟ نعم وبكل تأكيد إدارة المهرجانات ومع هذا فقد أفادتني هذه التجربة كما توصلت إلى الافادة حسب تقديري ولكن الثمن كان باهظا بالنسبة لي وعلى كل المستويات * موقف عشته ومازال راسخا في الذاكرة؟ يوم التقيت بالأديب جون درمسون jean d'Ormesson باليونسكو بباريس بفضل الأديب والشاعر التونسي محمد عزيزة وحين ولدت ابنتي البكر فادية. * «بيرم» .. عمل موسيقي لك هذه الصائفة... ماهي خصوصياته؟ «بيرم» عمل موسيقي صغته انطلاقا من حياة الشاعر المناضل محمود بيرم التونسي الذي رغم انه ولد في عهد ثورة عرابي وعاش فترة الثورة البولشيفية ونشأة الإخوان المسلمين في مصر والقومية العربية في المشرق لم يكن لا شيوعيا ولا إسلاميا وإنما كان « مواطنيا» ولو كان بيرم من أهل الدنيا لكان ايقونة الثورتين التونسية والمصرية خاصة أنه عاش تونسي الجنسية ومصري المولد والمنشأ لذا يتخلل العرض مداخلات «مسرحية» في شكل مونولوج اما المادة الموسيقية فهي عبارة على فقرات ا»كوكتال» لأغان من نظم بيرم وتلحين زكريا احمد وغناء السيدة أم كلثوم. * تونس اليوم كيف تبدو لك؟ بخير والحمد لله بفضل ما حباها الله من خيرات طبيعية وبشرية ولكن يصعب فيها العيش من جراء عدم القدرة على إفراز «حاكم» قادر على تحقيق العدالة القضائية والجبائية والاجتماعية وعلى مقاومة الفساد الذي خرب البلاد وفقر العباد وعلى جعل «الثقافة» في قلب مشروع الدولة كما ينادي بذلك د. لطفي المرايحي إذ أن « الامم الاخلاق ما بقيت فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا» ويقول الرسول الأكرم صلعم «انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق» وهذا لن يتحقق إلا بالثقافة والتربية والتعليم وعلى كل لن نحقق شيئا من أهداف الثورة طالما «حاميها حراميها» ولن تتقدم البلاد قيد أنملة مهما كانت وعودهم ومزاعمهم * تتابع دون شك الحراك السياسي ماهي قراءتك له؟ الساسة في تونس بصفة عامة هواة ومراهقون مع بعض الاستثناءات والمواطن غير قادر على التمييز بين الغث والسمين وهذا ما جعل قدرنا أن يطمع في حكم البلاد من هب ودب واكثرهم يتصفون بالرداءة والرذالة ومنهم الجهلة والانتهازيون وحتى الخونة ولكن هذا لا ينفي وجود الصالح والمصلح ومن له القدرة بفضل علمه ورفعة اخلاقه وصدقه على تسيير البلاد نحو الأفضل والتحرر من التخلف والقبح والتبعية وتحقيق النمو والرفاهية ولكنهم قلة قليلة والحراك السياسي على ما هو وما يحوم حوله من مال فاسد واعلام أفسد ومصالح ذاتية يجعل مستقبل البلاد في خطر من سيفرزهم الصندوق. منظومة الفساد مازالت تدفع نحو الخراب وتوهم المنتخبين بوعود مستحيلة وتتلاعب بعقولهم الساذجة وتعمق جهلهم وتشتري حتى ذممهم وربي يستر * هل تغريك ممارسة العمل السياسي؟ عن اي سياسة تتحدث؟ ما نشاهده اليوم في تونس كذب وبهتان وتلاعب بالمصالح العليا للبلاد وبمستقبل أبنائنا. انا أسمى من ان اكون سياسيا ودون ان اكون استاذا وفنانا. لا يمكن ان يصطلح امرنا وشأن البلاد والعباد الا اذا تحقق القضاء العادل وصار للقانون معنى ومصداقية. اتعني ما معنى الا يكون للدولة وأجهزتها القدرة على تطبيق القانون؟ المحاصيل تحرق والمناجم تسرق والطرق تقطع وهياكل الدولة تعطل والثروات تنهب ومازال فيها الفاسد فاعلا وفعّالا ومهيمنا على الاخضر واليابس... والدولة هشة بلا هيبة ولا قدرة. ابلد كهذا تسيره ساسة؟ دولة يكون فيها القانون صوريّا والمؤسسات شكلية لا يمكن أن تكون فيها سياسة بالمفهوم الحداثي والجمهوري؟ وعلاوة على ما ذكرت فمكان الفنان الركح ودوره الإبداع ومكان المدرس والمعلم قاعة التدريس والتأطير ومكان الباحث حلقات المحاضرات والمخابر ودوره انتاج العلم والنشر أما السياسة فهي مهنة واختصاص وحنكة وجدوى وعلى أن الأنسب لي أن اتفرغ فقط للعمل الأكاديمي والإبداع الفني كحرفة واختصاص وقد فضلتهما على العمل السياسي والانتماء إلى نظام أو تنظيم مع ان انتمائي نقابي في صلب النقابة العامة لنقابات التعليم العالي وكما كان أبي رحمه الله فخورا بانتمائه للاتحاد العام التونسي للشغل فقد ورثت عنه هذا الفخر والانتماء وهو العمل النقابي أشرف حسب تقديري من العمل السياسي في الوقت الحالي رغم ما في الحراك النقابي من سياسي. * الدكتور نوفل بن عيسى بعد هذه المسيرة المهنية والابداعية والاجتماعية هل هناك محطات تود اسقاطها من الذاكرة؟ «الانسان لا يفشل، ينجح أو يتعلم» كما قال الزعيم مانديلا والحمد لله أنني نجحت حينا وتعلمت حينا أخر.