الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب بالكتاب لقوله تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} (آل عمران 104) وبالسنة الشريفة لقوله صلى الله عليه وسلّم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. (رواه مسلم) كما أجمع علماء الأمّة على وجوبه. وتختلف مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهناك الإنكار باليد مع القدرة وهذا خاص بولي الأمر أو الحاكم أو من له قدرة من موقع مسؤوليته، فالأب مع أهله وأولاده، يأمرهم بالصلاة وسائر الواجبات، وينهاهم عمّا حرم الله. كما جاء في قول الله على لسان لقمان الحكيم حين كان ينصح ابنه فيقول {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (لقمان 17) كما ذكر القرآن الكريم أنّ إسماعيل عليه السلام {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (مريم 55) وأمر الله تعالى النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها فقال {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (طه 132) وهناك الإنكار باللّسان فيعظهم ويذكرهم ويعاملهم بالأسلوب الحسن مع الرفق، ويستعمل الألفاظ الطيبة والكلمات المناسبة، حتى لو قوبل بالسوء فهو لا يقابل إلا بالتي هي أحسن. قال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل 125) وهذه خاصة بأهل العلم والحكمة ومن له قدرة وسلطة معنوية أو مادية. وآخر المراتب هو الإنكار بالقلب ولا رخصة لأحد في تركها بل يجب ترك المنكر وبغضه بغضاً تاماً مستمراً. وهذه المرتبة فرض عين على كلّ مسلم وهذا يقتضي مفارقة أهل المعصية ومجانبتهم حال معصيتهم، يقول تعالى {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (النساء 140) وتعدد وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فنجد الحكمة كوسيلة أولى وهي مطلوبة حتى نحقق النتيجة المرجوة ويشترط في ذلك العلم والحلم والرفق واللّين والصبر على ذلك قال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} (النحل 125) ثم تأتي الموعظة الحسنة وتكون مقرونة بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد والمجادلة بالتي هي أحسن. قال تعالى {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل 125) و من أهم الوسائل الأخرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجد خطب الجمعة والأعياد والمحاضرات والدروس الدينية ونشر العلم الشرعي، ونجد كذلك الإحسان للنّاس بالقول والفعل والكلمة الهادفة والمقالات والكتب المناسبة. إن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهمية كبيرة لأنه شعيرةٌ عظيمة من شعائر الإسلام بسببه نالت هذه الأمة خيريتها وبه تميزت عن سائر الأمم، قال تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (آل عمران 100) ولأنه من عزم الأمور، هذا لقمان الحكيم يعظ ابنه ويقول: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (لقمان 17) وهو صفة من صفات أهل الإيمان، قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ} (التوبة 71) ومن أهم أسباب التمكين في الأرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى {إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج 41) ويسعد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالفلاح والصلاح، قال تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران 104) ويكون من الذين تشملهم رحمة الله الواسعة الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كما له الفوز العظيم.