الشيخ: أحمد الغربي يسعى الإسلام إلى إصلاح الفرد والمجتمع عن طريق بذل النصيحة التي اعتبرها الرسول من صميم الدين حين قال (الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن قال : لله عزّ وجلّ ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) فكان أن أمر هذه الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال الله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران/104) بل إن من صفات المؤمنين والمؤمنات أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(التوبة:71). وقد عرّف العلماء المعروف بقولهم: هو كلّ ما أمر به الإسلام وجوبا أو استحبابا ولا يأمر القرآن والسنة إلا بما فيه الخير. وأما المنكر فهو كل ما نهى عنه الإسلام تحريما أو كراهة ولا ينهى الإسلام إلا عن كلّ شرّ محقَّق في الدنيا والآخرة. إن التخلي عن القيام بهذا الواجب الديني يؤدي إلى فساد الفرد والمجتمع فتنتشر فيه الجرائم بمختلف أنواعها وتنحط الأخلاق بين أفراده. وقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثالا رائعا في ذلك حين قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمرّ بالماء على الذين أعلاها فتأذوْا به فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوْه فقالوا مالك؟ قال تأذيتم بي ولا بد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوْه ونجّوْا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم). هذا الحديث الخاص بالسفينة شاهد حيّ على أن المنكر يتجاوز الفرد الواحد ليعمّ المجتمع كله فحين تُخرق السفينة ويدخلها الماء فلن يميز الطوفان بين من خرقها ومن لم يخرقها لكنه سيغرق الجميع ويهلك كل من على ظهر السفينة وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا ترك وتخلى عنه الناس فإن الفساد والهلاك سيعمّان كل أصناف المجتمع. لقد وضع الإسلام شروطا للقيام بهذا الواجب من أهمها: العلم بأحكام الله في القضية التي فيها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر أي بمعنى أن يأمر المسلم بما يعلم أنه معروف وينهى بما يعلم أنه منكر ومنه أيضا أن يكون المنكر موجودا ظاهرا بما يخدش الحياء ويعظم خطره على المجتمع فلا تجسس على الناس هذا إضافة إلى أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يعطي المثال لغيره بأن يبدأ بنفسه وأهله حتى يكون تأثيره إيجابيا قال تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ)( البقرة:44) مع اتباع الرفق في القول واللين في المعاملة عند الدعوة لا أن يسعى إلى تغيير المنكر بارتكاب منكر آخر كالتجريح والتشنيع لأن من يفضح الناس ويشتمهم ويسبهم لن يجد أثرا لدعوته. إن دعوة الناس إلى الخير والفضيلة لها تبعات قد تصل إلى إلحاق الأذى بمن يقوم بها فعليه التحمل والصبر واحتساب ذلك لله سبحانه وتعالى لأنه عز وجل قرن الصبر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ورد في وصية لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17). إن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالشروط التي ذكرناها سابقا واجب ديني واجتماعي لا يجب الاستهانة به وهو تعبير واضح عن تكافل المسلمين وتناصحهم وبذلك ترسو سفينة المجتمع على شاطئ الأمن والسلامة.