أشارت معطيات وزارة التربية إلى تحقيق نتائج لافتة للنظر في مناظرة ختم التعليم الأساسي «النوفيام» هذه السّنة، لم تتحقّق منذ عشر سنوات. فائضٌ معرفيّ محمود يعكسُ، دونما شكّ، حجم المجهود الذي بذله جميع الأطراف المعنيّين بالشأن التربوي، من وزارة إشراف وإطار تربوي وأولياء، عملوا جميعا على توفير ظروف النجاح لأبنائنا وبناتنا الذين رفعوا شعار التحدي وكسبوا الرهان. وتكتسي هذه المناظرة، دون سواها من الامتحانات والمناظرات الوطنيّة، أهميّة خاصة. فهي مُوجّهة لمن هم في بدايات سنّ المراهقة الدقيقة والحسّاسة. كما أنّها المفتاح الحقيقي لوضع الناشئة في طريق المعرفة والعلم وبداية مواجهة التحديات وصعاب المعيش اليومي ومشقة بداية الشعور بتحمّل المسؤوليّة والإحساس بالذات ومُعايشة التكوّنات الأولى للشخصيّة، نفسيّا وجسديّا. ماذا يحتاجُ الأبناءٌ في مثل هذه المرحلة العمريّة؟، حتما يحتاجُون الدعم والمساندة والمرافقة، والأكثر من ذلك التحفيز واستثمار لهذه الطاقات الكامنة فيهم والتي عبّروا عن أجزاء منها في المناظرة المذكورة بحصول أعداد كبيرة منهم على معدلات تفوق ال15 من 20 المؤهّلة لدخول المعاهد النموذجيّة، أعدادٌ فاقت طاقة الاستيعاب المعلنة من قبل وزارة الإشراف. وهو مؤشّر رهان وتحدٍ حقيقيّ كسبه هؤلاء التلاميذ بعد حصاد السنة الفارطة الذي بقي دون الاستجابة لطلبات المعاهد النموذجيّة. الدكتور حاتم بن سالم، بما عُرف عليه من جديّة وصرامة وقبول التحديات وروح مسؤوليّة، في طريقه لكسب رهان الجودة الذي راهن عليه منذ توليه الإشراف على الوزارة قبل الثورة وحينما عاد إليها خلال السنوات القليلة الفارطة. ارتفاع نسب النجاح بحوالي عشرين في المائة عن السنة المنقضية لتبلغ حوالي 70 %، وكونها لم تتحقّق منذ عقد من الزمن، فهي دليلٌ قطعيّ على نجاح خيار الجودة وبداية تعافي المنظومة التربويّة. والمستمع الى كلام الوزير عقب «أفراح النوفيام» يستشعرُ ما يعتملُ في دواخله من رغبة في تفاعل إيجابي مع هذا الفائض من التلاميذ المتفوقين والمتألقين الذين لم تسعفهم طاقة الاستيعاب من الالتحاق بالمعاهد النموذجيّة. فالوزير، الذي أكّد أكثر من مرّة أنّ كلّ التلاميذ أبناؤه، يبدو مسكونا بهذا الهاجس الأبوي والتربوي بحثا عن توفير فرص لهؤلاء لمعانقة أحلامهم الصغيرة وتحفيزها وإطلاقها نحو آفاق أوسع. المسؤوليّة جسيمة دونما شكّ. وتقتضي في ما تقتضي جرأة وإرادة قويّة لترتيب إجراءات استثنائيّة عاجلة لاحتضان هذه الناشئة وتعزيز حظوظها في مزيد التألق والإبداع، إجراءات تعملُ على تفاعل سريع لإطارات الوزارة في إيجاد فضاءات إضافيّة تسمح بتوسيع طاقة الاستيعاب وللحكومة في إقرار ما يلزم من ميزانيّة استثنائية طارئة لانتدابات الموارد البشرية أو إنشاءات جديدة. وهي إجراءات تتناغم مع أهليّة المعنيين بها وشرعيّة مطلب الالتحاق بالمعاهد النموذجيّة لمن تحصّل على معدّل أكثر من 15 من 20. الوضع الاستثنائي يحتاجُ ضرورة إجراءات استثنائيّة. وهي لازمة ومؤكدة عندما يكون الأمر متعلّقا بالناشئة والمستقبل. فهذا جيلٌ واعدٌ ربّما يكون هو القاطرة الفعليّة لمواصلة تثمين الخطوات المقطوعة في الإصلاح التربوي وتعزيز الجاذبيّة للمعرفة والتعليم.