يعد الاستثمار الخارجي المباشر أحد أوجه العلاقات الاقتصادية الدولية ، وعنصرا أساسيا لتنمية الدول النامية المحتاجة إليه إذا ما تلاءم ومصالحها الأساسية لتحقيق تقدمها الاقتصادي وتحديثها العلمي والتقني. فماهو واقع الاستثمار الخارجي في تونس؟ وماهي العراقيل التي تعيقه؟ تونس «الشروق»: يمثل الاستثمار النشاط الاقتصادي الأساسي، ومفتاح التنمية الاقتصادية لدول العالم المختلفة وخاصة الدول النامية التي يفتقر العديد منها إلى رأس المال بسبب ضعف مدخراتها الوطنية الناتجة أصلا عن ضعف مستوى الناتج المحلي الإجمالي. وعرّف صندوق النقد الدولي الاستثمار الأجنبي المباشر على أنّه تدفق رؤوس الأموال الأجنبية لتكوين شركات ومنشآت تمتلك جهات خارجية فيها حصصا لا تقل عن ٪10. والغاية منها تحقيق بعض المنافع المهمة مثل خلق فرص عمل إضافية والمساهمة في النمو الاقتصادي للبلاد والتنمية الاجتماعية المحلية ونقل الخبرات العلمية وتوطين التكنولوجيا العصرية إلى غير ذلك. هذه الاستثمارات الأجنبية المباشرة تعتبر مصادر تمويل جديدة تزيد في مستوى الإنتاج والإنتاجية وتقوي الاحتياطات من العملة الصعبة. كما لها تأثير إيجابي على عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات. وتشير معظم الدراسات في هذا المجال الى أنّ الاستثمارات الأجنبية المباشرة لها علاقة وطيدة بنسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. حيث أنّ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر يزيد كلما تطور نسق النمو الاقتصادي لأنّ المستثمر الأجنبي يراهن على المستثمر المحلي وليس العكس يدفعه الى المبادرة ويبحث معه على الربح معتمدا في ذلك التشريعات والتشجيع. وبالتالي يتحسن مناخ الاستثمار الأجنبي بتحسن ظروف الاستثمار المحلي. منتدى تونس للاستثمار 2019 عاشت العاصمة خلال الأسابيع القليلة الماضية على وقع فعاليات منتدى تونس للاستثمار الذي شاركت فيه أطراف أجنبية ووطنية. وقد جاء سابقا لأوانه بسبب الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. هذا الحدث الهام استقطب ما يناهز 1200 زائر ثلثهم من المستثمرين الأجانب والبقية من تونس. والغريب أن جدول أعمال هذا المنتدى تعرّض الى تغيير مفاجئ لبرامجه جعل مواكبة أعماله من طرف الزائرين صعبة. حيث انحصر صباح اليوم الأول في تسجيل المشاركين. وانتهى بالافتتاح الرسمي إثر ساعات عديدة من الراحة والانتظار. أمّا اليوم الثاني فقد شهد مداخلات متتالية لعدد من ممثلي الشركات العالمية أكدت مكانة تونس في الخارطة الجغرافية العالمية ومؤهلاتها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة واستيعاب أكبر المؤسسات العالمية التجارية منها والصناعية والفلاحية والخدماتية نظرا الى قربها من القارة الأوروبية وتوسطها بين الشرق والغرب والشمال والجنوب بسواحل ممتدّة على أكثر من 1200 كم وطقس رائع. التظاهرة الاستثمارية تمت في ظروف مريحة. وقد حققت نجاحا نسبيا. حيث مكنت الحاضرين من التعرف على 6 شركات عالمية اختارت وجهة تونس لتقيم مشاريعها الكبرى. ويذكر أن مجموع الاستثمارات الأجنبية الجديدة يناهز 600 مليون دينار بطاقة تشغيلية تقدر ب 34000 موطن شغل وهي متواجدة بالشمال والوسط «منزل الحياة» والجنوب الشرقي»قابس»والغربي»قفصة». وإذ نبارك هذه الخطوة الإيجابية، التي نتمنى أن تتضاعف، إلاّ أننا نعتبرها غير كافية لتغيير الواقع المعاش والخروج بتونس من أزمتها العميقة خاصة أنّ نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر تساهم في كسب ثقة العالم في بلادنا وفي مستقبلها. والتدفقات الواردة بالأورو والدولار لها تأثير جلي على بعض الجهات الداخلية المحرومة وسوف تساعد على مجابهة البطالة المتفشية لدى الشباب؟ واقع الاستثمار الأجنبي بالبلدان العربية تمثل الاستثمارات الأجنبية الواردة على البلدان العربية نحو ٪2 من الإجمالي العالمي البالغ 1.430 مليار دولار. وقد استحوذت مصر والإمارات مجتمعين على أكبر قدر منها أي ٪66٫4 من مجموع البلدان العربية بقيمة 37.7 مليار دولار بالنسبة للأولى و9.2 مليارات دولار بالنسبة للثانية. ويمثل رجال الأعمال الروس والصينيون أغلبية المستثمرين الأجانب إيمانا منهم باستراتيجية التنمية المستديمة التي يسلكانها والسوق التجارية الكبرى التي يرعيانها. أما نصيب تونس من هذا الحجم الضخم من الاستثمارات الأجنبية المباشرة فقد كان هزيلا جدا ولم يتجاوز 0.9 مليار دولار سنة 2018. وهو ما يقابل 2.742 مليون دينار منها 1.129 م.د في الصناعات المعملية و 910 م.د في قطاع الطاقة. وقد يظن البعض أن معدل تطور الناتج المحلي الإجماليالتونسي المقدر ب40 مليار دولار يحاذي ٪2 سنويا خلال العشرية الماضية. والحقيقة تكشف نسبة سلبية لنمو الاقتصادي الوطني تفوق ٪10 سنويا إذا أخذنا بعين الاعتبار تقهقر قيمة العملة الوطنية وتضخم متوسط أسعار الاستهلاك. والمعلوم أنه لا تصح المقارنة مع نسب بلدان الخليج المنتجة للنفط وكذلك مع مصر التي فاقت نسبة نموها الاقتصادي ٪5٫5 سنة 2018. أمّا المغرب الذي يبلغ فيه الناتج المحلي الإجمالي 121 مليار دولار (أي ثلاث مرات تونس) فقد بلغ نمو اقتصاده الحقيقي نسبة ٪3٫1 سنة 2018. ولم يتعد معدل التضخم فيه ٪1٫4 برصيد استثمارات أجنبية مباشرة يساوي 62.664 مليون دولار. هذه الأرقام المعلنة تعكس فشل حكومات ما بعد الثورة على تخطي الأزمة الاقتصادية وتؤكد خطأ سياستنا التنموية وضعف استراتيجيتنا وغياب الرؤيا الواضحة. هل تكفي السياسة لحل الأزمة الحالية؟ السياسة وحدها لن تكفي لإخراج تونس من أزمتها الحالية. والاستثمار الأجنبي المباشر يعتبر لبنة لا يمكن أن يقوم عليها الاقتصاد الوطني الذي يعتبر الاستثمار المحلي هو الحل لإنقاذه. وهذا يتطلب ميزانية ضخمة تقدر ب250 مليار دينار خلال الخماسية القادمة لا يقدر عليها أحد. هذا ما جاء على لسان الأستاذ عبد الحميد الزيدي الخبير الاقتصادي والمالي موضحا أن هذه الميزانية تصبح ممكنة باستعمال تقنيات تمويل عصرية مستمدة من أكبر موسوعة تمويل بنكي في العالم. وهي تونسية بحتة يستفيد منها المواطن وصاحب المؤسسة الوطنية الصغيرة والمتوسطة والكبرى وتمول الاستثمارات المنتجة. وتضمن القيمة المضافة. وترفع من نسق نمو الناتج المحلي الإجمالي. كما توفر مواطن الشغل للشباب وتنمي المناطق الداخلية المحرومة. وتقاوم النزوح والتهرب والتهريب والإرهاب وتجنب مجتمعنا الجريمة والهجرة الى الخارج وتجعل من شباب الثورة أهم ثروة. تأثير الانتخابات القادمة على مناخ الاستثمار؟ أفاد عدد من الخبراء المشاركين في منتدى الاستثمار بأن الوضع المالي والاقتصادي الحالي للبلاد مترد جدا. ويبعث على القلق. وإذا تواصل فشل الحكومات القادمة فإنه يصبح كارثيا وينعدم الحلّ. وبالتالي المطلوب تمكين ذوي الخبرة والاختصاص من السلطة التنفيذية لإصلاح ما فسد وتحقيق الانتقال الاقتصادي الذي يستوجب ميزانية ضخمة خارج الميزانية العمومية وتوجه بالأساس الى تحريك عجلة الإنتاج وتحسين الإنتاجية ومجابهة البطالة المتفشية في كامل أنحاء الجمهورية والحدّ من التوريد والتشجيع على التصدير والتحكم في الأسعار ومقاومة الاحتكار. وهذا يبلور مناخ الاستثمار العمومي والخاص ويجلب للدولة موارد جبائية إضافية تساعدها على تغطية عجز ميزانيتها وتخفيض مديونيتها في إطار إستراتيجية تنموية تراعي الأولويات الوطنية وتعدّل موازين الدولة. كما تبعث الحيوية والنشاط والأمل لدى المواطن التونسي. وتجعله أكثر ثقة في المستقبل. ومن بين الرهانات القادمة لاخراج تونس من أزمتها الاقتصادية كما يرى ذلك الأستاذ عبد الحميد الزيدي مايتعلق بالرئيس القادم الذي من الأفضل أن يكون من أهل الخبرة بالمال والأعمال وقادرا على تعبئة الموارد الضخمة ومؤهلا لقيادة السفينة نحو شاطئ النجاة مستعينا بحكومة كفاءات وطنية مختصة حسب المجالات. أما أهل القانون والسياسة من الشرفاء فمكانهم مجلس النواب. حيث يضبطون الأولويات الوطنية. ويسهرون على مخططات الإنجاز. عبد الحميد الزيدي خبير مالي واقتصادي عبد الحميد الزيدي خبير مالي واقتصادي وصاحب أكبر موسوعة في التمويل البنكي عالميا.. هذه أسباب أزمة الاقتصاد التونسي وحلولها يرى الأستاذ عبد الحميد الزيدي الخبير الاقتصادي والمالي وصاحب أكبر موسوعة في التمويل البنكي عالميا أن أسباب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد مالية بحتة. حيث أنّ موارد الدولة من الجباية والمناجم والطاقة لا تفي بالحاجة بدليل استعمال أكثر من ٪70 منها لتغطية النفقات العمومية. وهذا أمر غير مقبول في ظلّ إنتاجية تجعل تونس في المرتبة ال94 عالميا. والعجز المتفاقم في ميزانية الدولة المقدر سنة 2019 ب 15 مليار دينار يمثل عائقا رئيسيا لدفع الاستثمار المحلي والخارجي. حيث أن الميزانية العمومية المخصصة للاستثمار المباشر لا تتجاوز 2.6 مليار دينار. وهو مبلغ زهيد يعادل حجم الاستثمار الأجنبي المرصود إلى حدّ الآن. فالمؤسسات العالمية تحسب ألف حساب. ولا ترغب في المخاطرة. فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. أمّا الأسباب الأخرى لضعف الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس فهي عديدة نذكر منها الإطار القانوني المعقد وعدم تبسيط الإجراءات الإدارية والتراخيص العديدة التي تتسبب في ضياع الوقت وتأخير انطلاق المشاريع. ومن الضروري استبدالها بكراس شروط. وكذلك النظام البنكي المدعو الى دعم الاستثمار بعد تخليه عن دوره التقليدي في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة مساندة لحكومات ما بعد الثورة وتغطية عجز موازينها وتسديد خدمة الدين. ورغم الاستقرار النسبي الذي شهدته البلاد فإن الأزمة الاقتصادية استفحلت فتولدت عنها أزمة اجتماعية تحولت الى أزمة سياسية وصراعات حزبية غابت عنها الحلول لدى السياسيين. وهذا بديهي جدا لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه. حيث أنّ الحلول يمتلكها أهل الخبرة والاختصاص. وهم غير مستعدين لتقديمها على طبق لمن لا يقدر على فهمها. الخبراء يقيمون حاجة تونس من التمويلات ب 50 مليار دينار سنويا انطلاقا من سنة 2020 قصد تحقيق الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي المنشود وبلوغ الأهداف النبيلة التي قامت من أجلها ثورة الكرامة والحرية التي من ضمنها التنمية الجهوية والتشغيل وإصلاح ما أفسدته الحكومات المتعاقبة العشر من أنظمة اقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية وقضائية وغيرها.