قدر عدد المرضى الذين زاروا مستشفى الرازي خلال السنة الماضية أكثر من 100 ألف مريض نفسي . كما أن 20 بالمائة من التونسيون يتناولون أدوية نفسية. فماهي أسباب انتشار الأمراض النفسية في صفوف التونسيين؟ وماهي تداعيات هذه الظاهرة والوضعية النفسية الهشة للتونسي؟ تونس الشروق: تختلف الأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية من حيث طبيعتها وحدّتها، لكنّ الاكتئاب يبقى في الصدارة ويحتل رأس قائمة الأمراض النفسية والعقلية التي تصيب التونسيين وفق بيانات مستشفى الرازي. فقد طال هذا المرض نحو 8.2 في المائة من مجموع السكان في تونس، وتُعدّ المرأة أوّل المعرَّضين للاكتئاب. ويمسّ الاكتئاب كل الشرائح العمرية، إلا أنّ ثمّة فترات من العمر ترتفع حدته خلالها. وتصل نسبة الانتكاسات بهذا المرض إلى 80 في المائة، وهو ما يجعل البعض يصنّفه ضمن الأمراض المزمنة، بحسب مستشفى الرازي. ويجمع أصحاب الاختصاص وكذلك الدراسات النفسية ذات الصلة على أنّ ما تشهده البلاد من أوضاع اجتماعية وسياسية بالإضافة إلى العنف وأحداث الإرهاب يمثّل أبرز الأسباب التي تؤدّي إلى ارتفاع عدد المصابين بأمراض نفسية وعصبية لا سيّما الاكتئاب. ومن العلامات والمؤشرات التي تدلّ على ارتفاع نسبة الاكتئاب في تونس بعد الثورة، نذكر ارتفاع معدلات الانتحار ونسب حوادث المرور والطلاق والإدمان. مؤشرات تحتل تونس المرتبة 102 في مؤشر السعادة عالميا. و تشير الأرقام والتقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة أن قرابة 30 % من السكان مصابون باضطراب نفسي و 40 % من المرضى يعانون من أمراض عضوية ناجمة عن مشاكل نفسية مثل آلام الرأس والظهر واضطرابات الجهاز الهضمي والتي تصنف ضمن حالات القلق والاكتئاب المنتشرة في بلادنا. هذه المؤشرات والمعطيات تدل على أن الشعب التونسي يعاني نفسيا من القلق والاحباط ويشكو من الكآبة والتعاسة وعدم الشعور بالسعادة خاصة من جهة أخرى وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية يمثل الاضطراب النفسي مشكلة صحية هامة في كل البلدان بما فيها تونس . ونجد 90 بالمائة من التونسيين يعانون من الاحباط. كما تذيلت تونس ترتيب الدول العربية في مؤشر السعادة حيث جاءت في المرتبة الثانية عشرة عربيا. هذه المعطيات لها أسبابها كما يبين ذلك الأستاذ طارق بالحاج محمد الباحث في علم الاجتماع حيث أشار إلى أن الإحباط هو حالة نفسيّة تصيب الشخص نتيجة تعرّضه لمختلف مصاعب الحياة والضغوطات الاجتماعية التي يقف أمامها مكتوف الأيدي لا يحرّك ساكناً ولا يستطيع مواجهتها ممّا يصيبه بحالة من القلق، والتوتّر، والانهزام لشعوره بالعجز، ويعاني الكثير من الناس من مضايقات تؤدي بهم إلى اليأس مثل مضايقات العمل، والمدرسة، والجامعة حتى في الطريق العام الأمر الذي يجعل من الواحد منهم إنساناً مشحوناً يفتعل المشاكل في بيته وبين أسرته وفي محيطه الاجتماعي الموسع. الدكتور حمزة ضي (خبير مختص في العلاقات الإنسانية والأسرية) .. هذه أسباب تفشي الأمراض النفسية في صفوف الشباب حسب الدكتور حمزة الضي خبير مختص في العلاقات الإنسانية و الأسرية فإن أكثر فئة في المجتمع معرضة للإحباط والامراض النفسية هي فئة الشباب ؛ نظرا لتلك التطورات البيولوجية والنفسية المميزة لهذه المرحلة العمرية بالذات.. لكن بالتأكيد كل الفئات و كل أفراد الأسرة الواحدة من الآباء و الأبناء مهما اختلفت أعمارهم معرضون للإصابة بمختلف الأمراض النفسية و تختلف الأسباب من فئة إلى أخرى مثلا الشباب من أسباب إحباطهم واصابتهم بالأمراض النفسية فقدان الأمل نتيجة عدم تحقيق أهدافهم المنشودة ، و قلة النضج النفسي و الذهني في التعامل مع الوضعيات المختلفة و هنا يأتي دور الأسرة في تربية و تهيئة الأبناء إزاء الوضعيات الصعبة إن كان في الدراسة أو العمل أو حتى في بداية حياتهم الزوجية .. كذلك من الأسباب نجد عدم تناسب الآمال الكبيرة التي يريدون تحقيقها مع الإمكانيات الممنوحة لهم زد على ذلك كثرة الصراعات النفسية داخله جراء اختلاف المفاهيم لأمور اجتماعية أو مبدئية أو قيمية و كثرة الآراء المتضاربة حولها في الأسرة و في المجتمع كذلك نجد نسبة كبيرة من المتزوجين و خاصة المتزوجين حديثا معرضين للإحباط والمعاناة من الأمراض النفسية و الأكثر عرضة هم النساء و ذلك جراء اختلاف و تناقض واقع الحياة الزوجية مع ما كان في مخيلتهم حول الزواج و الحياة الزوجية و حصول خيبة أمل باصطدامهم بواقع يحمل أكثر مسؤولية و حياة روتينية أبرز ما يمكن استخلاصه فيها كثرة الصراعات و المشاكل بين الزوجين و ذلك نتيجة التسرع في البداية و عدم اختيار الشريك المناسب ما يؤدي إلى الإصابة بالتوتر الشديد و الإحباط و تصل حتى إلى الاكتئاب .. و نجد كذلك أن هذا الإحباط قد يكون مجرد أوهام لا أساس لها و ذلك لكثرة التجارب الفاشلة للمحيطين بهم إن كان على المستوى المهني أو على المستوى الأسري الزوجي و ذلك بكثرة حالات الطلاق أو الفشل حتى ما قبل الزواج و بالتالي ارتفاع و تأخر سن الزواج لدى الشباب كلها أسباب قد تجعل منه شخصا محبطا ومريضا نفسيا هذا و لا ننسى ان الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد و انهيار المستوى الأخلاقي و القيمي تجعل الفرد متخوفا من المستقبل ، إن كان الآباء فهم متخوفون على مستقبل أبنائهم في ظل ضبابية الأوضاع. اما الشباب فإنهم لا يجدون من يأخذ بأيديهم و يرشدهم و يعزز ثقتهم بأنفسهم نحو مستقبل أفضل. الدكتور عماد الرقيق المختص في الأمراض النفسية والعصبية .. الأطفال والشباب والنساء من أكثر ضحايا الأمراض النفسية أشار الدكتور عماد الرقيق إلى أن الوضع الاقتصادي العام والمتسم بالرداءة والسلبية وتغير واقع المرأة التونسية التي أصبحت تتحمل المسؤولية في ظل تقاعس الرجل واستقالته التي تكاد تكون تامة جعل من النساء الضحية رقم واحد للأمراض النفسية في تونس تليها في الترتيب فئة الشباب ثم الأطفال واخيرا فئة الكهول من الرجال. وتمثل مراحل العمر الانتقالية كالمراهقة ارضية خصبة للأمراض النفسية نظرا للتغييرات الهرمونية والتحولات الجسمية المفاجئة المصاحبة لنوبة البلوغ والتي تتسبب في بعض الأحيان في بروز حالات انفعالية واحساس بالقلق واضطرابات سلوكية وعاطفية عند المراهق .. كما تلعب العوامل الفيزيولوجية عند التقدم في السن لهبوط الحواس وضعف المقاومة وتصلب الأوعية الدموية والأنسجة دورا في ظهور اضطرابات نفسية عند المسنين وتساهم في تعميقها عوامل اجتماعية كالانقطاع عن العمل وما يتبعه من سلبيات الفراغ والعزلة. ويعد عدم الشعور بالأمان والاستقرار جراء تواتر العمليات الارهابية التي اصبحت تنفذ وسط العاصمة من أهم الأسباب التي جعلت التونسي يعاني من المتاعب النفسية المتأتي من الخوف والقلق وعدم الاحساس بالأمان وتتنوع الأمراض النفسية وتختلف درجات تأثيرها على الفرد حسب نوعية هذه الأمراض وحسب التصنيف العالمي للاضطرابات النفسية وأبرزها : - الاضطرابات النفسية الناتجة عن مواد مخدرة - الاضطرابات الذهنية من نوع مرض الفصام - الاضطرابات المزاجية من نوع حالات القلق والاكتئاب - الاضطرابات العصبية المرتبطة بالضغط النفسي -اضطرابات في الأكل والنوم ومن أسباب انتشار الأمراض النفسية في صفوف التونسيين نذكر تطور نسق الحياة والتغييرات الاجتماعية وتقلص دور وروح المجموعة ببروز نمط عائلي يكرس الذاتية المفرطة وهي من أهم العوامل التي تستهدف الانسان في نفسيته وتهدد هويته.كما نشير إلى وجود تطورات حاصلة في الآليات والمناهج الحديثة لمعالجة الأمراض النفسية حيث شهدت بداية القرن الحالي تطورات مذهلة على مستويات متعددة تتعلق أولا بفهم العوامل المسببة للمرض وثانيا تهتم بالتشخيص والعلاج .. وهي تطورات لا تزال في مراحلها الأولى.. وبواسطة الوسائل الحديثة في الاستكشاف الوظيفي وفيزيولوجيا الأعصاب أصبحت معاينة نشاط العقل البشري ممكنة لفهم بنية الدماغ ووظائفه المعقدة وميكانيزمات عمل الخلايا العصبية وقد مكن هذا الفهم من استنباط وسائل علاجية جديدة واستحداث أنواع من الأدوية من الجيل الثاني ومضادات الاكتئاب مما يحسن من نجاعة الوقاية والعلاج وضمان حياة أفضل للمريض.