لم يُوقع رئيس الجمهورية مشروع تنقيح القانون الانتخابي الذي صوت عليه البرلمان وأقرته هيئة مراقبة دستورية القوانين. وفي الأثناء فاتت آجال رده إلى البرلمان لقراءة ثانية او لعرضه على الاستفتاء، وكل ذلك وسط تمسك أصحاب المبادرة به. تونس الشروق: بعد أن رفض رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي التوقيع على التنقيحات المُدخلة على القانون الانتخابي واعتبارها «لادستورية»، وفي ظل فوات آجال إعادتها الى البرلمان لقراءة ثانية وآجال عرضها على الاستفتاء مثلما ينص على ذلك الدستور، تعددت لدى المتابعين التساؤلات حول الطريقة التي ستتصرف بها الأطراف التي كانت وراء هذه التنقيحات ووراء المصادقة عليها في البرلمان. ما اتضح من خلال ردود الأفعال العديدة طيلة اليومين الماضيين هو أن هذه الاطراف متمسكة بتمرير التنقيحات أو على الأقل برد الفعل دستوريا وقانونيا تجاه رئيس الجمهورية. الثابت إلى حد الآن أنه يوجد فراغ دستوري على الأقل حول مسألتين هامتين تتعلقان بهذا الملف. أولا لا يمكن لأية سلطة التدخل لنشر قانون غير مختوم من رئيس الجمهورية بالرائد الرسمي وفاتت آجال رده للبرلمان لقراءة ثانية وكذلك آجال عرضه على الاستفتاء. كما انه عكس ما تردد لا يمكن اعتبار القانون ساري المفعول آليا بعد رفض رئيس الجمهورية ختمه. ولا يمكن للبرلمان التعهد من تلقاء نفسه بقراءة ثانية لمشروع هذا القانون. حلول ماذا بقي إذن للأطراف التي تدافع عن هذه التنقيحات وكانت وراء المبادرة وصوتت لها في البرلمان؟ حركة النهضة وفي بيان مكتبها التنفيذي أمس السبت خصصت نقطة كاملة لهذا الموضوع وقالت أنه «في إطار متابعتها للمستجدات على الساحة الوطنية، تعبر الحركة عن انشغالها بعدم ختم التعديلات المنقحة للقانون الأساسي المتعلق بقانون الانتخابات والاستفتاء وتدعو الكتل البرلمانية والأحزاب إلى المسارعة بالاجتماع والتشاور من اجل معالجة تداعيات هذه الوضعية، واقتراح الترتيبات المناسبة للخروج منها». وقد اعتبر المختصون أن هذا البيان لم يتضمن حلا تقنيا دستوريا واضحا يمكن اتباعه لمعالجة مشكل عدم ختم رئيس الجمهورية القانون بل تضمن دعوة الى البحث عن حل سياسي لدى الكتل البرلمانية والأحزاب وهو ما لا يحل الاشكال. وبالنسبة لبقية الاطراف التي صوتت لفائدة التنقيحات ومازالت متمسكة بالدفاع عنها إلى اليوم وهي ( إلى جانب النهضة ب64 صوتا)، كل من كتلة الائتلاف الوطني الممثلة لحركة تحيا تونس ( 38 صوتا) وحركة نداء تونس ( 7 أصوات) وكتلة الحرة لحركة مشروع تونس (10 أصوات) و7 أصوات من غير المنتمين لكتل، فلم تُبد إلى حد كتابة هذه الأسطر أي موقف من رفض رئيس الجمهورية ختم هذا القانون ولم تقترح أي حل بديل لهذا الرفض. عزل الرئيس؟ البعض الآخر تحدث عن حل دستوري يتمثل في «عزل رئيس الجمهورية» استنادا الى الفصل 88 من الدستور الذي جاء فيه أنه « يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه، وفي هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك بأغلبية الثلثين من أعضائها. ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل. ولا يُعفي ذلك من التتبّعات الجزائية عند الاقتضاء. ويترتب عن الحكم بالعزل فقدانه لحق الترشح لأي انتخابات أخرى.» وهذه الفرضية تبدو بدورها مستبعدة في ظل غياب المحكمة الدستورية التي فشل البرلمان للمرة الثامنة في المصادقة على اعضائها، وايضا في ظل صعوبة توفر أغلبية الثلثين المطلوبة للموافقة على لائحة معللة لاعفاء رئيس الجمهورية. وقد أثيرت بالمناسبة مرة أخرى مسألة شغور منصب رئيس الجمهورية بعد تواصل تداول اخبار عن حالته الصحية المتقلبة وما قد يتيحه ذلك من فرضية تطبيق الفصول 83 و 84 و 85 من الدستور المتعلقة بالشغور الوقتي او النهائي، لكن هذه الفرضية تتطلب بدورها وجود المحكمة الدستورية. الرافضون لهذه التنقيحات يرون أنه لا يوجد أي اشكال قانوني او دستوري في عدم ختمها من رئيس الدولة ونشرها بالرائد الرسمي خصوصا أن ذلك لا يؤثر على السير العادي للعملية الانتخابية، إذ يمكن لهيئة الانتخابات (وهو ما قررت القيام به) الاستناد الى القانون القديم الساري المفعول حاليا لقبول الترشحات للانتخابات إلى حين البت قانونيا ودستوريا في التنقيحات الجديدة. وذهب آخرون أبعد من ذلك بالقول ان هذه التنقيحات غير دستورية وهو ما يفسر رفض ختمها من رئيس الجمهورية ورفضها من شق هام من الراي العام ومن السياسيين ومن الاطراف الفاعلة في البلاد ابرزها الاتحاد العام التونسي للشغل.