على وقع خلافات قانونية، وتباين آراء خبراء القانون الدستوري بشأن عدم ختم رئيس الجمهورية التنقيحات الجديدة المُحدثة في القانون الانتخابي، ونشرها بالرائد الرسمي، تفتح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بداية من اليوم الاثنين باب الترشحات للانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها يوم 6 أكتوبر المقبل. ولئن سارعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتوجيه الدعوة إلى جميع هيئاتها الفرعية لتطبيق القانون القديم المتعلق بالانتخابات والاستفتاء المنقح سنة 2017 في صورة عدم ختم القانون الجديد من قبل رئيس الجمهورية، فإن حالة الضّبابية والإرباك التي خيّمت على المشهد السياسي في الأيام الأخيرة قد تعمّق نفور وعزوف الناخبين عن المشاركة في هذا الاستحقاق المفصلي في تاريخ البلاد. فالتجاذبات السياسية والحزبية الطاحنة، وفشل نواب مجلس الشعب بقصد أو بغير قصد في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وأعضاء هيئة الحوكمة الرشيدة، بل وترحيل الملفّين إلى البرلمان القادم باعتبار انتهاء عمل المؤسسة التشريعية نهاية شهر جويلية الجاري، علاوة على الانشقاقات، وموجة الاستقالات التي شقّت صفوف عدد من الأحزاب السياسية الوازنة في المشهد على خلفية اختيار رؤساء وأعضاء القائمات المترشحة للانتخابات التشريعية ستؤثر حتما على شعبية، ومصداقية هذه الأحزاب لدى المواطنين. لكن الثابت أن اختيار رؤساء القائمات وأعضاء القائمات سيخلف حتما انشقاقات جديدة صلب هذه الأحزاب و»الحويزبات» و»الباتيندات» المفتوحة للعموم بعضها لا يحيلك على الحزب الحقيقي الذي بات عنوانه في الغالب شخص واحد واسم واحد يهيمن على المشهد الإعلامي... شخص واحد هو «الرئيس» والزعيم» و»الأمين العام» بل هو «الكل في الكل». بعض هذه «الحويزبات» التي لا قاعدة شعبية جهوية ومحلية لها، سارعت بتكوين قائمات لأفراد بعضهم لا يعرف حتى خلفية الحزب المنتمي إليه، فما بالك بالبرنامج الذي سيطلع عليه رئيس القائمة وأعضاء القائمة يوم التعليق... والتعليق هنا نتركه لناخب ضائع مشتت ممزق قد يفضل العزوف... أو العزف على أوتار المقاطعة وله عذره. ومن هذا المنطلق فإن الفاعلين السياسيين مدعوّون أكثر من أي وقت مضى إلى المسارعة بترميم صورهم المهتزّة لدى الرأي العام التي التصقت بها اتهامات بتغليب المصالح الحزبية، والشخصية الضيقة في «حرب» مواقع ضارية، والانطلاق فورا في طرح برامج حقيقية تقنع الناخب، وتقدم حلولا عمليّة قابلة للتنفيذ لمختلف مفاصل الأزمة التي تتخبط فيها البلاد في فترة انتقال ديمقراطي هشّة محفوفة بالمخاطر وطنيا، وإقليميا، ودوليا. تونس راكمت منذ 14 جانفي 2011 تجارب انتخابية مهمة، وأسست هيئة عليا مستقلة للانتخابات نجحت رغم بعض المشاكل العابرة في تنظيم كل المواعيد الانتخابية السابقة انطلاقا من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، ووصولا إلى الانتخابات البلدية والتشريعية، والرئاسية التي أفرزت الطبقة السياسية الحاكمة اليوم، هذه الهيئة نعتقد أنها ستكون في مستوى الأمانة الجسيمة الملقاة على عاتقها، وستساهم من موقعها في حماية الديمقراطية الناشئة عبر تنظيم انتخابات نزيهة يقبل بنتائجها كل الفرقاء السياسيين بمختلف تلويناتهم، وايديولجياتهم... النجاح... واجتياز المطبّات، والأزمات قدر هذه البلاد.