تتصاعد مخاوف الأطياف السياسية من عزوف المواطنين عن صناديق الاقتراع نتيجة فقدان الثقة في الأحزاب السياسية طيلة سنوات ما بعد الثورة، وتزيد وطأة هذه المخاوف مع حالة الاحتقان الاجتماعي التي عاشتها البلاد الأسبوع الماضي، ما سيلقي بظلاله سلبا على مسار أول استحقاق محلي منذ اندلاع الثورة. وهو ما كشفت عنه الانتخابات الجزئية التشريعية بألمانيا والتفاجؤ بتسجيل عزوف كبير على هذه الانتخابات، حيث بلغ عدد المشاركين في الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة ألمانيا 1326 ناخبا من بين 26382 مسجلا، أي بنسبة مشاركة في حدود 02. 5 بالمئة. ولعلّ عدم تمكن هياكل الدولة من تغيير الأوضاع نحو الأفضل على امتداد السبع سنوات التي تلت الثورة يعدّ العامل الرئيسي في انحدار منسوب الثقة لدى عموم التونسيين. ويتوقع متابعون أن تؤثر الأزمة الاجتماعية على حظوظ الأحزاب المتنافسة في الانتخابات القادمة، لجهة غياب برامج سياسية واضحة تستجيب لمطالب شعبية بسيطة، خاصة بعد خيبة أمل الشباب العاطل عن العمل، الذين قادوا انتفاضة يناير، في التمتع بحقهم في التشغيل. فضلا عن ذلك، فإن من أبرز العوامل التي خلقت قطيعة بين التونسي والسياسة، هو ما تعيشه الساحة السياسية من هشاشة المشهد الحزبي بالبلاد، باستثناء حركة النّهضة التي حافظت على تماسكها في الوقت الذي شهدت فيه باقي المكونات الحزبية في تونس حالة من الانشقاقات والانقسامات والصراعات الداخلية مما كشف ضعف الثقافة الحزبية في إدارة الاختلافات الدّاخلية. وحذر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي التونسيين الاثنين من العزوف عن الانتخابات المحلية، واعتبر أن "ذلك يشكل خطرا يهدد البلاد". وقال الطبوبي في افتتاح أشغال المؤتمر الجهوي للاتحاد بمحافظة القيروان (وسط) "رغم خيبة آمال الشعب في الانتخابات السابقة وتعليقه آمالا وطموحات عليها لم يتحقق أغلبها، إلا أنه عليه ألا يفقد الأمل". وتابع "إرادة الشعب الذي وقف صفا في الانتخابات السابقة، ستعطي الدرس مرة أخرى لكل السياسيين وسيختار التونسيون النخبة السياسية القادرة على تحقيق مطالبهم". كما أظهر سبر آراء أجرته مؤسسة سيغما كونساي لشهر أكتوبر الجاري، أنّ نسبة العزوف عن التصويت في الانتخابات البلدية بلغت 68.6 بالمائة. ويشير مراقبون الى وجود حالة إحباط يعيشها التونسيون بسبب إخلال النخب السياسية بوعودها منذ الانتخابات الماضية، سيما على مستوى الشباب الذي اتسعت هوة القطيعة بينه وبين الحياة السياسية منذ الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2014. ويتخوف متابعو الشأن السياسي من استمرار عزوف التونسيين على المشاركة في الحياة السياسية و في الاستحقاق البلدي القادم بالخصوص، سيما وقد أبرزت نتائج التسجيل للانتخابات البلدية التي امتدّت بين 19 جوان و10 أوت 2017 ضعف إقبال المواطنين على مكاتب التسجيل بالنسبة إلى الكتلة الانتخابية الإجمالية التي تتجاوز 7 ملايين ناخب. وتتصدر الفئة الشبابية التي تتراوح أعمارها بين 18 و21 عاما نسبة العازفين عن المشاركة الانتخابية وهو ما يدل على ملامح قطيعة جديدة للجيل الشبابي رغم الرهانات التي يعقدها الفاعلون السياسيون على هذه الشريحة . ويبلغ عدد التونسيين المسجلة أسماؤهم أكثر من 5.3 ملايين ناخب، وفق ما أكده عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نبيل بفون، ل"العربي الجديد"، مرجحاً أن يتطور هذا العدد خلال الشهر الإضافي. وتنشر قائمة الناخبين الأولية يومي 11 و12 جانفي المقبل، وتوضع على ذمة عموم التونسيين للتثبت والاحتجاج والطعن إذا ما تضمنت إخلالات على أن ينشر السجل النهائي والذي سيتم اعتماده في الانتخابات البلدية يوم 7 فيفري المقبل. وتنطلق الفترة الانتخابية يوم 13 فيفري، إذ تقرر فتح باب الترشح للانتخابات البلدية التي تجري في أكثر من 350 بلدية موزعة على 24 محافظة في البلاد أمام الأحزاب السياسية والقائمات المستقلة والائتلافية يوم 25 فيفري 2018، وتنتهي الهيئة من قبول آخر الترشحات يوم 3 مارس المقبل. كما تقرر أن تنطلق الحملة الانتخابية أمام القائمات المترشحة في الفترة بين 14 أفريل على الساعة الصفر، وتنتهي منتصف ليل يوم 4 ماي، ويعتبر أي شكل من أشكال الدعاية بعد هذا التوقيت جريمة انتخابية تلزم أصحابها عقوبات تصل حد إسقاط القائمة الانتخابية، حسب بنود قانون مجلة الانتخابات البلدية.