نحاول بهذه الحلقات من أدب الرحلات إمتاع القارئ بالتجوال في العالم رفقة رحّالة وكتّاب شغفوا بالترحال وأبدعوا على اختلاف الأنظار والأساليب في وصف البلدان، سواء انطلقوا من هذا القطر أو من ذاك، مع العلم بأنّ أكثرهم من المغرب الكبير ووجهاتهم حجازيّة لأولويّة مقصد الحجّ وغلبة المشاغل العلميّة والثقافيّة على آثارهم باعتبارهم فقهاء وأدباء، على أنّ الرحلة تكون ممتعة أكثر مع آخرين جالوا في قارات أخرى. مع الفاضل بن عاشور في رحلته التونسيّة ابن عاشور ( محمد الفاضل بن محمد الطاهر ) : 16 / 10 / 1909 – 2 / 4 / 1970. ولد بالمرسى أو بتونس فاعتنى والده الشيخ الإمام بتعليمه جامعا بين لغتين وثقافتين من الزيتونة ومن المدرسة العليا للغة والآداب العربيّة ثمّ من كلّية الآداب بالجزائر. ترقّى بالشهائد ونشط في الجمعيّات كالجمعيّة الخيريّة والصادقيّة والخلدونيّة. كما شارك في مؤتمرات عربيّة وأوروبيّة منذ شبابه، منها مؤتمر إسطنبول الذي ألقى فيه محاضرة بالفرنسيّة عن ابن حزم بحضور والده . وتدلّ محاضراته بالخلدونيّة وبالإذاعة وبالمغرب ودروسه بالزيتونة وبحوثه بمجمع اللغة العربيّة بالقاهرة على سعة اطّلاعه وفصاحة بيانه وقوّة ذاكرته . له : أركان النهضة الأدبيّة بتونس . - تونس 1968؛ أعلام الفكر الإسلامي في المغرب العربي . – تونس 1965 ؛ الحركة الأدبيّة والفكريّة في تونس . – القاهرة 1956 ؛ التفسير ورجاله . – تونس 1966 ؛ المحاضرات المغربيّات . – تونس 1974 ؛ ومضات فكر . – تونس 1981، 1982 ؛ تراجم الأعلام . – تونس 1970. الرحلة : بمناسبة مؤتمر الثقافة الإسلاميّة لسنة 1368 ه / 1948 م بتونس نشرت مطبعة النهضة فصلتين، واحدة بعنوان « جولة في أحواز تونس « في 8 صفحات، والأخرى بعنوان « زيارة أهمّ المدن التاريخيّة بالمملكة التونسيّة « مثل الأولى، بإمضاء محمد الفاضل بن عاشور ( 1909 – 1970 م ) . وهما من النصوص النادرة باعتبار الموضوع البعيد عمّا ألفناه من اهتمامات الشيخ الفاضل . وبطبيعة الحال، لا ننتظر من راكب سيّارة مشاهدات دقيقة غير أنّ المعلومات التاريخيّة ترغّب في مرافقته في جولته في العاصمة وبعض المدن. انطلق الفاضل بن عاشور في « جولته « من باب البحر . قال إنّ الذي ابتناه في ق 4 ه / 10 م هو الشيخ الصالح محرز بن خلف المتوفّى سنة 413 ه / 1022 م، وإنّ الذي جدّده هو المشير الأوّل أحمد باشا سنة 1264 ه / 1847 م وإنّ على واجهتيه قصيدة في تأريخ تجديده من شعر أحمد بيرم المتوفّى سنة 1280 ه / 1863 م ( ص 1). ثمّ عبر نهج الزرارعيّة أو نهج المالطيين إلى باب قرطاجنّة فإلى باب السويقة مرورا بجامع باب البحر الذي أنشأه سنة 681 ه / 1282 م التائر المتغلّب على الحفصيين أحمد بن مرزوق المسيلي المعروف بالدعيّ ( ص 1) . والسويقة هي السوق الصغيرة التي أنشأها سيدي محرز، بين البطحاء وزاويته . ومن هناك تتفرّع الطرق إلى القصبة وإلى باب ( أبي) سعدون وإلى باب الخضراء . وهذا الأخير - المنسوب إلى البساتين والرّبى المسمّاة بالخضراء حتّى غلبت صفتها عليه وعلى المدينة - من منشآت الحفصيين في ق 8 ه / 14 م في عهد الوزير الحاجب ابن تافراجين . وقد زال الباب القديم وسقيفته وحلّ محلّه قوس واسع بدفّتي حديد. وبجواره مسجد حفصيّ . وخارجه قبيبة يقال إنّها مثوى آخر بني سرّاج الغرناطيين . وهنا أحال محرّر « الجولة» على رواية شاتوبريان الشهيرة ( ص 3) . ثمّ سار مجاورا البحيرة التي كانت سبخة ففتحها حسّان بن النعمان على البحر عند حلق الوادي واصلا البحر بالباب المنسوب إليه ( ص 3) . وهذا يذكّرنا بمشهد المراكب من رواق جامع الزيتونة الشرقي كما هو مذكور في بعض كتب الرحّالة والجغرافيين العرب. وأضاف الشيخ الفاضل أنّ البوغاز – يقصد القنال – قد فرضت البواخر العظيمة تعميقه فتمّ ذلك سنة 1310 ه / 1892 م في عهد علي باشا الثالث من دور الحماية، كما قال ( ص 3). وهو في الطريق إلى المرسى استحضر خطرة الأربعاء، وهي مقتلة الحرب بين الإسبان الزاحفين على تونس من حلق الوادي وبين المسلمين من التونسيّين والأتراك بقيادة خير الدين بربروس سنة 941 ه / 1534 م . ومن هناك نظر إلى المدينة والبحيرة والمطار فبدت له البحيرة الزرقاء مرصّعة بأسراب اللقالق الورديّة، كما بدا له الجبل الأحمر مكلّلا بالزياتين ( ص 4) . ثمّ تبسّط في تاريخ الخطّ الحديدي الذي كان مزدوجا بين تونسوالمرسى مرورا بحلق الوادي أو بالعوينة . وقد زال وبالأحرى أزيل هذا الفرع الثاني الذي كان يلتقي بالأوّل في مستوى قرية سيدي داود المنسوبة إلى دفينها المرابط داود بن إدريس ابن عاشور السلوي ( نسبة إلى سلا المغربيّة) الأندلسي، من رجال القرن 11 ه / 17 م ( ص 4) . وهذا نسب عائلة ابن عاشور كما هو مشهور ( ص 5).