تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علامة تونس كان اخواني الهوى : ترأس اتحاد الشغل وكان عضوا بالديوان السياسي !

وتستمر رحلتنا ومعها يزداد شوقنا جميعا الى الاستكشاف .., فهناك رواد ومصلحون ومجددون بارزون في تونس طمس سياسيون أو متأدلجون سيرتهم أو حرفوها أو عتموا على أجزاء هامة من تراجم حياتهم ..! , أو احتفل اخرون بمائويتهم ليتحدثوا عن حداثويتهم واصلاحيتهم دون أن يقولوا للناس بأنهم كانوا زيتونيين ومجددين من داخل حقلهم المعرفي في حمى الحضارة العربية الاسلامية ..
كنت في خضم البحث والتنقيب في سير هؤلاء العظام أكتشف تحريف التاريخ وطمسا لاثار الجريمة عبر رش المبيد المعرفي بالحديث عن زعيم الزعماء وانكار أجيال امنت وتعلمت وضحت من أجل نهضة وطن وأمة ...
كنت أكتشف الطاهر الحداد من تلاميذ محمد عبده والشيخ الثعالبي بعد أن أبرزوه بصورة المناوئ للدين والتدين , وكنت أتكشف عظمة مصلح بحجم محمد علي الحامي الذي سبق في تاريخه وأفكاره غيره من الأسماء الكبرى التي صوروها لنا حكما في الفكر والثقافة والاصلاح الاجتماعي , كنت أستعيد مكانة الشابي والامه وعزلته وشاعريته وأوجاع قلبه بين أشجار الصنوبر , وربما أيضا أعانق لحظات حبه الذي ألهمه أروع ما في "ارادة الحياة" ...
كان الثعالبي رجلا بحجم عبده ورشيد رضا والكواكبي والأفغاني.., فأبرزوه لنا في تاريخهم المختطف درويشا سياسيا , أسس حزبا ثم انكفأ عن النضال الوطني أو واجبات المعركة الثقافية في عصور الانحطاط ...!!!
عثرت على محمود بيرم التونسي مبدع تونس ومصر , وتكشفت ألم الطعنة حين نزلوا به وضيعا بقولة "ابن الجارية" ! , كان حرا مبدعا في مناخ من العبودية , طردوه بالامه لتحتضنه غازات المصانع الكيمياوية بفرنسا ثم يموت في مرتعه المصري الأول بمرض الربو ..!
وبين أولئك كان ثمة عرصة تزين جمال محاولات النهضة في قرنها المؤلم , حيث كان الشيخ العلامة الطاهر بن الصادق عاشور ألمع من أن تطمسه محاولات دفن قرائن الجريمة التاريخية والفكرية والثقافية , فقد اقتصروا ذكره على تفسيره التحرير والتنوير أو بعض الاشارات البرقية الى كتابه مقاصد الشريعة ..!
لم يحدثونا مطلقا عن جهوده العملاقة والرائدة في النهضة العربية الاسلامية الحديثة , ولم يخبرونا بفضائله في اصلاح التعليم الزيتوني , فقد ثلموا ذاكرتنا واقتصروا على ابراز شخصيتي محمود المسعدي أو اخر حديث نقول في حقه أذكروا موتاكم بخير ...
لم يشر هؤلاء حين شوهوا تاريخنا وأخضعوه لقصة عظمة صاحب الحذاء التائه في الصحراء الى مواقف الشيخ الطاهر بن عاشور من التجنيس أو الدعوة البورقيبية للافطار "الفلسفي" في شهر رمضان ! ...
وحين كنت أدقق وأمحص كان الشبل من ذاك الأسد , فقد زأر العلامة محمد الفاضل بن عاشور ليستدعي أمجاد أبيه الطاهر بن الصادق عاشور , وليفصح عن أسرار ندبج بها موضوع حلقتنا لهذا اليوم .. , منطلقين من ترجمة لسيرته نختصرها بعد أن تجولنا بين ضفاف ماكتبه الأستاذ أحمد تمام في الغرض * :
ولادة في أحضان عالم :
- وُلِد "محمد الفاضل" بن عاشور في (2 من شوال 1327ه = 10 من أكتوبر 1909م)
اذ بدأ والده بتحفيظه القرآن الكريم وهو في الثالثة من عمره، وتعليمه القراءة والكتابة، وما كاد يبلغ التاسعة من عمره حتى أتم حفظ بعض المتون القديمة كالآجرومية وألفية ابن مالك في النحو، ثم بدأ في تعلم الفرنسية على أيدي معلمين خصوصيين في المنزل، ولما بلغ الثالثة عشرة بدأ يدرس القراءات، والتوحيد، والفقه، والنحو , الأمر الذي هيَّأه ليلتحق بجامع الزيتونة في العام التالي، فحصل منه على الشهادة الثانوية المعروفة هناك بالتطويع سنة (1347ه = 1928م)، ثم استكمل دراسته العليا في الشريعة واللغة وأصول الدين، فدرس على يد والده التفسير وقرأ عليه موطأ مالك، و"المطول" للتفتازاني في البلاغة، وديوان الحماسة، ودرس علم الكلام على يد الشيخ أبي الحسن النجار، وأصول الفقه على الشيخ محمد بن القاضي .
وإلى جانب هذه الدراسة المنتظمة كان محمد الفاضل يقرأ على أبيه في المنزل كل ليلة من ليالي رمضان بعد صلاة التراويح قدرًا من كتب: الحديث، والرجال، واللغة، مثل صحيحي البخاري ومسلم، و"الإصابة في معرفة الصحابة" لابن حجر، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير، و"لسان العرب" لابن منظور.
واثر تخرجه عمل مدرسًا في جامع الزيتونة سنة (1351ه = 1932م)، ثم انتسب إلى كلية الآداب في جامعة الجزائر لاستكمال دراسته في اللغة الفرنسية، وتخرج فيها سنة (1354ه = 1935م) حاملاً أعلى درجاتها العلمية ..
بحر من العلوم !
وحين جلس الفاضل بن عاشور للتدريس كان قد استوى عالمًا، ألمَّ إلمامًا واسعًا بعلوم القرآن الكريم، والتفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والكلام، ومقاصد الشريعة، إلى جانب التبحر في اللغة والأدب، وقد هيأ له ذلك أن يسهم في مجال الثقافة الإسلامية بالبحوث العميقة، وكان قد بدأ اتصاله بالصحف مبكرًا في سنة (1347ه = 1928م) يغذيها بمقالاته المتنوعة في الدفاع عن الفكر الإسلامي والتاريخ واللغة في وجه خصومها، وحين حاولت حكومة "فيشي" الفرنسية فرض أناشيد أجنبية على طلبة المدارس في سنة (1358ه = 1939م) تصدى لها الفاضل بن عشاور، ونظم أناشيد قومية للشباب متحديًا المحتل الفرنسي .
- إلى جانب عمله بالتدريس في الجامعة الزيتونية وفي مدرسة الحقوق العليا نهض بالإفتاء والقضاء، فعُيِّن في سنة (1373ه = 1953م) مفتيًا للديار التونسية، ثم اشتغل قاضيًا للقضاة ورئيسًا للمحكمة الشريعة العليا، ثم رئيسًا لمحكمة النقض والإبرام، وفي سنة (1381ه = 1961م) تولى عمادة الكلية الزيتونية للشريعة والأصول، وظلَّ يتولاها حتى وفاته .
كان العلامة الفاضل بن عاشور يرتجل محاضراته ارتجالاً، تواتيه بها ذاكرة خصبة وعقل، ولسان فصيح، ولغة بليغة، وقد استنفدت محاضراته معظم طاقته الفكرية، فلم يفرغ للتأليف تمامًا، كما أن كثيرًا من محاضراته لم يكن يدونها، على أن ما بقي من تراث الرجل -وإن كان قليلاً على من كان قبله- شاهد على غزارة علمه، وسعة أفقه، وإحاطته بالثقافة الإسلامية عن علم وبصيرة .
وتدور مؤلفاته في ميادين ثلاثة هي: التشريع الإسلامي، واللغة العربية، والتاريخ الإسلامي، وقد أسهم فيها جميعًا بمؤلفات وبحوث قيمة، منها: كتابه "التفسير ورجاله" +"الاجتهاد.. ماضيه وحاضره" + "تراجم الأعلام" +"أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي" + وكتاب "أركان النهضة الأدبية بتونس" ...
ريادة في اصلاح التعليم :
وللشيخ العلامة الفاضل بن عاشور رحمه الله جهود بارزة وخالدة في مشوار الاصلاح والتجديد , اذ كان مشواره تواصلا مع مابدأه خير الدين التونسي ومحمد السنوسي حين أثمرت جهود هؤلاء وجهود اخرين , عن تأسيس الجمعية الخلدونية لنشر العلوم الحديثة باللغة العربية سنة 1896 م .
وفي سنة 1945 م /1375 ه , تولى الشيخ محمد الفاضل رئاسة الجمعية الخلدونية ، فنهض بها، وأنشأ بها حلقات من التعليم الثانوي العصري لاستكمال مناهج التدريس لطلبة جامع الزيتونة تحت إشرافه، وانتدب لها أساتذة لتدريس العلوم الطبيعية والرياضية باللغة العربية، وكان هؤلاء بحكم تخرجهم في المعاهد الأوربية لا يؤمنون بصلاحية اللغة العربية لهذه المهمة، لكن الشيخ الجليل نجح بفضل توجيهه في إنجاح التجربة، واستطاع الطلبة اجتياز الاختبارات التي عُقدت لهم، وسعى الشيخ إلى اعتراف الدولة بشهادة البكالوريا العربية، والسماح لحاصليها بالالتحاق بكليات الآداب والعلوم في المشرق العربي في مصر وسوريا، وببعض الجامعات الغربية.
ثم أضاف إلى هذا العمل الجليل إنشاء معهدين عاليين بالجمعية الخلدونية، هما معهد الحقوق العربي، ومعهد البحوث الإسلامية، وكانت له محاضرات متصلة بهما، ورتب للمعهدين شهادات تتوج الدراسة بهما .
ريادة وزعامة :
وامتد نشاط "الفاضل" إلى خارج تونس , محاضرًا في بعض المعاهد والجامعات العلمية في مصر وليبيا والجزائر والسعودية، و مشاركًا في الهيئات العلمية، كالرابطة الإسلامية بمكة، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، كما اختير عضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1961م، وعضوًا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف سنة 1962 م .
ومن أبرز الفترات التي لمع فيها اسم الفاضل بن عاشور وطنيا وسياسيا , كانت حقبة الأربعينات من القرن الماضي , حين برز بنشاطه الداعم للقضية الفلسطينية وبتنظيم الاحتفالات احتفاء بتأسيس جامعة الدول العربية، وقد جلب له هذا النشاط التقدير والاحترام والتأثير في الوسط الزيتوني وفي الساحة الوطنية، وهو ما هيأه لأن يترأس الاتحاد العام التونسي للشغل عند تأسيسه في 20 جانفي 1946، كما عين أيضا عضوا بالديوان السياسي للحزب الحر الدستوري الجديد- أعلى هيئة قيادية بالحزب- , ولكن لم يستمر في هذا الموقع إذ سرعان ما استبعد خوفا من تأثيره الكبير على مسار الحزب ومسار دولة الاستقلال..
تقييمات أكاديمية لمساره*2 :
- كان يدعو إلى التجديد ونبذ التقليد، وقد حول الخلدونية إلى جامعة شعبية، فأدخل في مناهجها الثقافة العلمية العصرية كالهندسة وعلم النفس، ودعا إلى الانفتاح على ثقافة الآخر .
- لما أنشأ "الباكالوريا" في الخلدونية، دعاه المسئول الفرنسي إلى مكتبه ليمنعه من هذا الإجراء، حتى لا تستقل تونس بثقافتها، ولا تخرج عن المنهاج الذي وضعته فرنسا لمسخ الثقافة القومية التونسية .
- قدم الشيخ محمد الفاضل في رحاب مجمع اللغة العربية بالقاهرة بحوثا ، وقد كان عضوا عاملا فيه، ومن هذه الأبحاث : السند التونسي في علم متن اللغة، وأفعل التفضيل، والمصطلح الفقهي في المذهب المالكي، كما قدم بحوثا إلى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، منها بحث في الاجتهاد، وآخر في التفسير ورجاله .
- زار الشيخ محمد الفاضل دار الحديث الحسنية ، وكلية الشريعة بفاس، وفي القرويين استمع الناس إلى محاضراته، فكان استمرارا للمدرسة المالكية التونسية المغربية، وإشعاعا لها، وألقى محاضرة في المذهب المالكي بالقرويين كما كان زينة مجالس الدروس الحسنية ونجمها المتألق .
- كان محمد الفاضل مؤرخا للمغرب العربي، ودرس ست رسائل كانت بين المولى هشام سلطان المغرب والأمير عبد القادر الجزائري، وحللها وبين قيمتها التاريخية، وهو الولوع بوحدة المغرب العربي والداعية إليه طول حياته .
- كان في برامج دراسته وتدريسه النحو، واللغة، والأدب، وكان مولعا بمطالعة كتب الأدب، مثل ديوان الحماسة، والأغاني، ومنهاج البلغاء، وكتب في شبابه مسرحيات .
- كان مُقِلّا في الشعر، وقد أنشأ أناشيد كانت الكشافة ترددها في تونس، وكان يرددها الشباب الصادقي، وظف هذه الأناشيد توظيفا وطنيا للكفاح والنضال ، وعني بالبحتري، والحصري، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري، وكذلك، كتاب الأمالي لأبي علي القالي .
- له كتاب" ومضات فكر" وعليه مسحة أدبية واضحة، وكتب عن أيام العرب، ويوم عاشوراء، وذكرى المولد، وأحاديث الحج سنة 1949 ومقدمة رائعة لكتاب"منهاج البلغاء" الذي حققه الشيخ الحبيب بالخوجة، وهو مؤرخ للأدب التونسي، في كتابه "الحركة الأدبية"، وبالجملة فهو مثقف ثقافة موسوعية، وناضل من أجل الهوية الثقافية نضالا مشرفا لا لتونس فحسب، وإنما للعالم الإسلامي قاطبة .
-عني الشيخ بالفكر الذي يعتبره روح كل حضارة، وما الحضارات إلا ما يجسده الفكر في الواقع، من مظاهر مختلفة، فعالم الأفكار يأتي في أوائل مقومات الحضارة ومنابعها، اذ يرى أن تراجم الفقهاء والعلماء، إنما هي نماذج حية لأفكارهم التي اهتدى الناس بها، وتحققت في أنفسهم قبل أن تتحقق في صفحات التاريخ المسجل في تجارب الناس وأحوالهم .
اعجاب بسيد قطب وحسن البنا ودعوة الاخوان !
من أهم وأطرف ماطالعناه حين كنا ننقب في سيرة عالم تونس البارز ومصلحها المجدد ماكتبه المستشار الكويتي عبد الله عقيل*3 , حيث خبر الأخير مصلح تونس عن قرب بمناسبة استضافته بالكويت ... في تلكم الزيارة يكتشف القارئ أسرارا أخفيت عنا حين كنا نحوم حول تخومه في مناهج تاريخية اعتمدت التسطيح والتشويه , وقد جاء في كشف أسرار تلكم الزيارة مايلي :
"سعدت بمعرفته حين دعوناه إلى المشاركة في الموسم الثقافي الذي تقيمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، وقد صحبته طيلة إقامته، حيث كنت رفيقه في الزيارات للشخصيات والمؤسسات والجمعيات، وقد ألقى العديد من المحاضرات، وأهمها كانت في جمعية الإصلاح الاجتماعي، حيث أثنى على الدعاة المجاهدين، والعلماء العاملين، الذين يتصدون للطواغيت، ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الإسلام، وقول كلمة الحق أمام السلطان الجائر، وخص بالثناء بالاسم الإمام الشهيد حسن البنا مجدد الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري، كما أشاد بأفكار الشهيد سيد قطب وصلابته ورجولته، وكنا نقيم ندوة أسبوعية مساء كل جمعة يجتمع فيها الدعاة وطلبة العلم، ويستفيدون من زوَّار الكويت ومحاضريها في المواسم الثقافية.
وفي أحاديثنا معه، مع مجموعة من إخواننا أثنى الثناء العاطر على جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا، وتمنى على الله أن يمتد أثرها إلى كل أنحاء العالم العربي والإسلامي، وقلت له: إنني وإخواني الذين تجمعوا حولك، من ثمار هذه الدعوة المباركة الطيبة، دعوة الحق والقوة والحرية، فسُرّ غاية السرور، وانشرح صدره لذلك، وحمد الله على أن الكويت على صغر حجمها فيها هذا النشاط الإسلامي المبارك، المتمثل في جمعية الإصلاح الاجتماعي وغيرها من التجمعات الشبابية التي يلتقي فيها الشباب المسلم على منهج الإسلام، ويتربون على برامجه، ويسيرون في ركب الدعاة العاملين، والعلماء المخلصين، ويقفون إلى جانب إخوانهم المسلمين المستضعفين في كل مكان " ... - انتهى الاقتباس عن المستشار عبد الله عقيل .
قصيدة بماء الذهب :
غادر الشيخ العلامة الفاضل بن عاشور عالم الحياة الدنيا يوم 19 أبريل 1970م , ليطوي معه صفحة من صفحات فخار تونس واعتزازها كما اعتزاز بلاد المغرب الاسلامي ونهضته الحديثة- , فتغمد الله فقيد تونس وعالم الأمة المصلح بواسع رحماته .
وقد خلده الشاعر عبد السلام محمد خليل بقصيدة لم نرصد مثيلا لها في قيمة توصيف فضائل "الفاضل" وخصاله وقد جاء في بعضها :
يا فاضلٌ ما كنت إلا فاضلاً
وسواك من أهل النهى المفضول
قد كنت عالمَ تونس تشدو به
مزهوة وعلى الزمان تطول
بل كنت من آي الفخار لشرقنا
تعلي منارة مجده وتطيل
حتى بكت مسراك من أعماقها
زَوْراؤه وشآمه والنيل
وهنا يشاد بفاضل وعلومه
وله يصاغ من الثنا إكليل
وتترجم الخطب الجسيم محافلٌ
فيها شآبيب الدموع تسيلُ
ويسودها جوٌّ كئيب غائمٌ
وأسيً يرين على النفوس ثقيلُ
وهناك تروى للفقيد مناقبٌ
وضَّاءة كالشمس حين تزولُ
إنا عرفناه خليفة "مالك"
قد زانه المعقولُ والمنقولُ
وسما به أدبٌ رفيعٌ ما له
فيما رأيت وما سمعت مثيلٌ
وإذا تفجَّر بالبيان محاضراً
شُدَّت إليه مسامعٌ وعقولُ
فهو "ابن رشد" باحثاً ومفكراً
وتخاله "النعمان" حين يقولُ
لا يستثير ولا يهيج حماسة
فسبيله الإقناع والتدليل
يسمو ويبدع مجملاً ومفصلاً
ولحبذا الإجمال والتفصيلُ
أما الكتاب فقد وعى أسراره
ويبين عن إلهامه التنزيلُ
والسنّة الغراء خاض غمارها
متجاوزاً ما لم تصله فحولُ
في خدمة الإسلام كان لفاضل
والعلم دورٌ رائدٌ وجليلُ
ما كان إلا عبقرياً لامعاً
في كل حقل جهده مبذولُ
متفهمٌ للعصر منفتح على
آفاقه رحب المجال أصيلُ
فالله يجزيه المثوبة جنة
الظل فيها وارف وظليلُ
مراجع معتمدة :
*1-الفاضل بن عاشور.. على خطى الإصلاح - أحمد تمام- 17 فبراير 2002
*2-أفكار الفاضل بن عاشور - جريدة البصائر الصادرة عن جمعية العلماء المسلمين بالجزائر - عدد فبراير 2010
*3- ورقة للمستشار الكويتي عبد الله عقيل - مجلة المجتمع بتاريخ 24 جوان 2006
كتبه وأعده مرسل الكسيبي* بتاريخ 5 فبراير 2010 : [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.