دفع امتناع رئيس الجمهورية عن ختم تعديلات القانون الانتخابي الى فوضى التأويلات التي تمازج فيها المعطى القانوني بالمعطى السياسي في مناخ ضبابي يطرح أسئلة ملحة تترقب تبريرات من الباجي قائد السبسي ما إن كان هذا القرار رفضا للإقصاء أم تصفية حسابات؟ تونس (الشروق) ومع دخول المسار الانتخابي مرحلة قبول الترشحات للانتخابات التشريعية يزداد الانقسام توسعا بين خبراء القانون والفاعلين السياسيين والرأي العام في تقييم امتناع رئيس الجمهورية عن ختم تعديلات القانون الانتخابي بين شق يرى في العملية حماية للانتقال الديمقراطي من الممارسات الإقصائية ومن يراه يصفي حسابات سياسية عبر خرق صريح للدستور. رفض للإقصاء الرأي الأول الذي دافع عنه بيان حزب نداء تونس الأخير بوضوح يذهب في الإقرار بأن ختم رئيس الجمهورية للقوانين والاذن بنشرها في الرائد الرسمي ليس مجرد إجراء شكلي. وهذا الرأي هو محاولة لإسقاط فقه القضاء الفرنسي الذي يخول لرئيس الدولة تأويل القوانين والمراسيم التي لا تمر عبر المجلس الدستوري، ولكون هذا الاسقاط القانوني لا يتماهى مع الحالة التونسية التي تغيب فيها المحكمة الدستورية ولا يكون فيها رئيس الجمهورية أعلى السلطات في البلاد فإن سنده الأساسي سياسي بامتياز قبل أن يكون قانونيا. ولذلك فإن تبرير امتناع رئيس الجمهورية عن ختم تعديلات القانون الانتخابي يسلك مسار المحاججة السياسية بأن الباجي قائد السبسي أحد أبرز زعماء عدم الاقصاء وهو الذي دافع عن هذه الفكرة مرارا وتكرارا. بل إنّ إسقاط قانون العزل السياسي الاقصائي سنة 2014 كان أحد أهم الاسباب في وجود الباجي قائد السبسي في قرطاج اليوم. ومن هذا المنطلق تكشف العديد من المحطات السياسية انتصار الباجي قائد السبسي لرفض الاقصاء بداية برفض «الاغراءات الأجنبية›› في عزل حركة النهضة بعد نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية التي منحته الاغلبية، مرورا بتمسكه بضرورة مشاركة كل القوى السياسية والاجتماعية دون اقصاء المشهد السياسي وصولا الى مبادرة الوحدة الوطنية وسن قانون المصالحة الادارية حماية للانتقال الديمقراطي. وبهذه الشاكلة يبرر أنصار فكرة أحقية عدم ختم السبسي تعديلات القانون الانتخابي متمسكين بموقف قوامه أنّ ورود قانون يُغير قواعد اللعبة الديمقراطية قبيل بدايتها عبر إقصاء الخصوم فيه منحى إقصائي وفقا لاعتراض شعبي واسع له طال ايضا المنظمة الشغيلة فلا يمكن ل››زعيم عدم الاقصاء›› أن يرضى بختمه. مناورة سياسية ولئن ارتكز الطرح الأول على مقاربة سياسية فإن الرأي المقابل الثاني ينطلق من المعطى القانوني ليفسر المعطى السياسي. فختم رئيس الجمهورية للقوانين والإذن بنشرها في الرائد الرسمي صلاحية شكلية لا تقبل التأويل في رأيهم والا صارت كل القوانين في مرمى الأهواء والتأويلات الشخصية. ومن هذا المنطلق يكون خرق رئيس الجمهورية للدستور ثابتا كما ذهبت الى ذلك مواقف حزبي النهضة وتحيا تونس وعدد من خبراء القانون الدستوري لاسيما ان القانون الانتخابي المعدل استوفى جميع اجراءاته القانونية مرورا بمصادقة السلطة التشريعية عليه وصولا الى قرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القانون فيه والتي أكدت دستوريته ليكون عدم ختمه من رئيس الجمهورية بمثابة الامتناع وليس بموقف لاسيما ان الدستور اتاح بوضوح مختلف صيغ التعامل مع القوانين لدى رئيس الجمهورية. هذا التمشي الحجاجي القانوني يدفع الى موقف سياسي يروم الاعتقاد بأن رئيس الجمهورية المحاط ببطانة استشارية قوية عرف عنه بالمنطق السياسي القدرة الفائقة في تلقي ‹›الضربات›› وعكس الهجوم في الوقت الحاسم. فبعد خسارة رهان تغيير الحكومة وكبح جماح الابن السياسي «يوسف الشاهد›› في البقاء في السلطة خارج الخطوط التي رسمها رئيس الجمهورية يكون الامتناع عن ختم القانون الانتخابي المعدل آخر الورقات السياسية التي يمكن من خلالها للباجي قائد السبسي خلط الاوراق أو ربما ضمان الخروج من الباب الكبير. وتبعا لهذا الرأي يكون في الامتناع عن ختم تعديل القانون الانتخابي مصلحة لرئيس الجمهورية نفسه ولشخصيات سياسية أخرى ربما لا يريد حرمانها من المنافسة، وتصفية حسابات سياسية عبر استغلال ثغرات قانونية عديدة أبرزها غياب المحكمة الدستورية المخول الوحيد لاثبات الخرق الدستوري قانونا ومن بينها سكوت القانون عن الاجراءات المستوجبة في حالة امتناع رئيس الجمهورية عن ختم أي قانون ما. في المحصلة فإن تقاطع الآراء وتباينها يزيد في حجم الضبابية ويضاعف حاجة الرأي العام الى سماع تبريرات رئيس الجمهورية لعدم ختم تعديلات القانون الانتخابي. فهل ستكون مناسبة عيد الجمهورية التي ستحيي ذكراها تونس غدا فرصة لضامن الدستور للتصريح بموقفه ورفع الالتباس أم أن فصول التجاذب السياسي أخذت طريقها الى نقطة اللاعودة؟ حازم القصوري (محام ورئيس لجنة النظام في نداء تونس) عدم ختم القانون موقف مسؤول يرفض الإقصاء اعتبرالمحامي ورئيس لجنة النظام في نداء تونس حازم القصوري رفض رئيس الجمهورية ختم تعديلات القانون الانتخابي في صميم رفض الاقصاء لاسيما ان الباجي قائد السبسي المرسم في صدارة جدول المحامين ملتزم بهذا المبدإ في كل المحطات السياسية بداية من رفضه القانون عدد 15 المتعلق بالعزل السياسي. وشدد القصوري في تصريح ل»الشروق» على أن رفض ختم القانون الانتخابي المعدل هو رفض للاقصاء. ويتنزل في سياق عدم الموافقة على خروقات دستورية عديدة أهمها قانون الطوارئ غير الدستوري والذي لفت النظر اليه منذ مدة بضرورة تعديله. وأشار المتحدث الى ان جملة من المعاهدات الدولية علاوة على الدستور نفسه تؤكد حق المشاركة في الشأن العام لكل مواطن وان رئيس الجمهورية وفق نواميس الدولة ليس مجرد ساعي بريد على حد قوله. بل حامل لمسؤولية سيادية تضمن عدم الانتهاك واقصاء الآخرين ووضع اليد على مؤسسات الدولة. وخلص القصوري الى أنه كان على الاصوات المحتجة على خرق الدستور أن تحمّل الأغلبية السياسية عدم تركيز المحكمة الدستورية وباقي مؤسسات الدولة التي تضمن جميعها تفعيل الانتقال الديمقراطي. القاضي الإداري السابق عبد الرزاق بن خليفة التعديلات قانونية وليست اقصائية يرى القاضي الاداري السابق عبد الرزاق بن خليفة أن امتناع رئيس الجمهورية عن ختم القانون الانتخابي المعدل يخضع بالضرورة الى استقراء سياسي وآخر قانوني. فمن الناحية السياسية يرى المتحدث ان التعديلات الجديدة عممت بعض القواعد في شروط الترشح ولم تتضمن اجراءات تخل بالنزاهة أو ممارسات اقصائية لافتا النظرالى ان تغيير قواعد اللعبة قبيل الانتخابات جرى سنة 2011 و 2014 وان ذلك منطقي لان تونس لازالت تعيش تجربة ديمقراطية انتقالية لا يمكن مقارنتها بالأوضاع العادية ومن الناحية القانونية يؤكد عبد الرزاق بن خليفة أن القانون المذكور استوفى الإجراءات القانونية خاصة بعد قضاء الهيئة الوقتية بدستوريته وانه كان من المستوجب ختمه لاسيما ان هذا الاجراء الأخير شكلي خلافا للتجربة الفرنسية التي تتيح لرئيس الدولة تأويل المراسيم وبعض القوانين التي لا تمر وجوبا بالمجلس الدستوري.