أحدثت التعديلات التي اقترحتها الحكومة على القانون الانتخابي، سلسلة من الصراعات انطلقت بخلافات كبرى بين النواب، لتصبح مساحة للمواجهة بين الأحزاب. ثم انتقلت لتتحول الى ملف صراع بين السّلط التونسية. وهو ما يمكن أن يُحدث خللا في مستوى تسيير الدولة خاصة أن السلط تجمعها علاقات «تفاعلية» وفق ما أسس له الدستور التونسي. تونس -الشروق بداية طرح التعديلات كانت في البرلمان الذي تحولت جلسته العامة الى حلبة صراع بين النواب الداعمين لتمرير التعديلات وخاصة منها ما يتعلق بمنع كل من يقوم بالاشهار السياسي في الأشهر الاثنى عشر التي تسبق الانتخابات، وكل من تتواتر انتقاداته للدستور التونسي ولحقوق الانسان. فالنواب الداعمون لتمرير هذه التعديلات متمسكون بضرورة تمريرها ويعتبرونها ضرورية لتنقية الحياة السياسية. في حين يرى النواب الذي رفضوا المصادقة عليها،أنها تمثل توجها اقصائيا لكل من رئيس الحكومة يوسف الشاهد في الانتخابات الرئاسية القادمة. الاطار الزمني الذي تم فيه تقديم التعديلات ،ساهم بشكل كبير في جعل الملف اكثر حساسية ،خاصة ان هذه التنقيحات تم تقديمها في الفترة التي ظهر فيها نبيل القروي في اعلى الترتيب ،صلب قائمة الشخصيات التي ينوي الناخب التونسي التصويت لصالحها في الانتخابات الرئاسية،إضافة الى وجود ألفة التراس رئيسة جمعية "عيش تونسي" في مراتب متقدمة في نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية. وهو ما يضفي على هذه التعديلات شبهة «تصفية الحسابات السياسية «. مجلس نواب الشعب بدأت الإشكالات حول تعديل قانون الانتخابات في البرلمان،الذي انقسم بشكل واضح. وتوترت الأجواء داخله مما دفع الى تأجيل الحسم في هذا الملف أكثر من مرة. لكن حتى بعد المصادقة على هذه التعديلات لم يُحسم الملف نهائيا. حيث قدّم عدد من النواب طعنا في دستورية مشروع القانون الانتخابي ،طعن تم النظر فيه وتم رفضه والتأكيد على أن التعديلات تستجيب لمضمون الدستور. وأحالت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين أمر هذا المشروع الى رئيس الجمهورية. واتجهت كل الأنظار الى قصر رئاسة الجمهورية في انتظار موقف حاسم يحدد مصير التعديلات. لكن تم تجاوز كل الآجال. ولم يقم رئيس الجمهورية بختم مشروع القانون واصداره بالرائد الرسمي ،ممّا انتج العديد من التأويلات التي تشترك في المنطلق القانوني. وتختلف في التأويل حد التناقض، إلى ان خرج نورالدين بن تيشه مستشار السبسي وحسم الامر نهائيا بالتأكيد على ان الرئيس لن يوقع التعديلات ، وانه يعتبرها «إقصائية «. صراع السلطات موقف رئيس الجمهورية يعيد صياغة العلاقة بين السلط بشكل مختلف. فالصراع الخفي بين مؤسسة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ، خرج الى العلن. وأصبح باديا للعيان. وتطوّر الى مستوى يمكن ان يصل الى حالة انسداد كلّي بين الطرفين ،خاصة ان رئيس الحكومة يراهن بشكل كبير على تمرير هذه التعديلات. رفض السبسي لختم مشروع القانون الذي يتضمن التعديلات ،جعله في مواجهة مباشرة مع البرلمان الذي بدأت بعض القوى داخلة تتحرك في سياق عقد جلسة طارئة لمناقشة ما يمكن فعله إزاء موقف الرئيس. وهو ما يجعل الأغلبية المتحكمة في مسار المؤسسة التشريعية ،وهي الأغلبية التي صادقت على التنقيحات، تدخل في صراع مباشر مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي. تجاوز الصلاحيات الصراع أصبح السمة الغالبة على مؤسسات السلطة. فرأسا السلطة التنفيذية وهما رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة أصبحا في مواجهة مباشرة. أما السلطة التشريعية فتخلّت القوى المتحكمة في مسارها عن حيادها وعن دورها الحقيقي. وهي الآن بصدد دفع المؤسسة التشريعية الى الدخول في صراع مع رئاسة الجمهورية .. هذا المناخ المتأزم بين مؤسسات السلطة يمكن ان يؤثّر على مسار الدولة إن لم تحافظ كل سلطة على حدودها. ولا تتعدى صلاحياتها. النهضة تدعو الى اجتماع عاجل أصدر المكتب التنفيذي لحركة النهضة بيانا جاء فيه «وفي إطار متابعتها للمستجدات على الساحة الوطنية، تعبر الحركة عن انشغالها بعدم ختم التعديلات المنقحة للقانون الأساسي المتعلق بقانون الانتخابات والاستفتاء. وتدعو الكتل البرلمانية والأحزاب إلى المسارعة بالاجتماع والتشاور من أجل معالجة تداعيات هذه الوضعية، واقتراح الترتيبات المناسبة للخروج منها». غياب المحكمة الدستورية في غياب المحكمة الدستورية التي يمكن أن تفصل بين السلطات في صورة وجود صراعات بينها ،يبدو الخلاف بين مكونات السلطة في تونس أكثر خطورة.