تونس الشروق: كنّا قبل العام 2016 ننفعل لصورة الطفل الذي يحمله والده او امه اثناء عمليّة تسوّل ولكن لم يكن بوسعنا تغيير واقع ذلك الطفل. اما اليوم صار بالإمكان التواصل مع الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالاشخاص عبر رقمها الأخضر للابلاغ بوجود حالة اتجار بالبشر بعد ان صُنّف تعريض الأطفال للتسوّل اتجارا بالبشر. نحن نعيش منذ العام 2016 تاريخ صدور القانون الأساسي عدد 61 لسنة 2016 المتعلق بمنع الاتجار بالاشخاص ومكافحته مفاهيم قانونية جديدة سمحت لنا بالتعرّف على ضحايا من بيننا ما كنّا لنراهم من قبلُ ضحايا. عودة الاستعباد الاتجار بالبشر يعني استعباد الأشخاص ولئن كانت عملية بيع الأشخاص تتم قبل إلغاء العبودية في سوق البركة التي يعرفها الناس ويقصدونها لاقتناء حاجياتهم من العبيد فإن أسواق العبودية اليوم أمر واقع لكنها غير مرئية. فتشغيل القاصرات هو استعباد لهنّ والاستغلال الاقتصادي للأطفال هو استعباد لهم وهناك أيضا ضحايا للاستغلال الجنسي من أطفال ونساء يتعرضون للاستعباد وهناك أيضا ضحايا لإيسار الدين وهي ممارسة شعبية تبرز من خلال الاقتراض بين الأشخاص والذي ينتهي لاحقا الى استعباد صاحب الدين. يعيش بيننا ضحايا تونسيون وأجانب كانوا ضحايا للاستعباد وقد بلغ عددهم في العام 2018 وفقا للتقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص 780 حالة وفي العام 2017 حوالي 742 حالة. ثلاث ارباع الضحايا كانوا نساء وفتيات (من الفئة العمرية من 15 الى 45 سنة) وحوالي النصف كانوا أطفالا وكانوا ضحايا للتشغيل القسري (382 حالة). في العام 2018 تم استغلال 124 طفلا في التسوّل وتعرّض 93 طفلا للاستعباد الجنسي و39 طفلا اُسْتُخْدِموا في الأنشطة الاجرامية. والمقصود بالتشغيل القسري وفقا لقانون منع الاتجار بالبشر هو "أي عمل او خدمة يفرض عنوة على شخص تحت التهديد بأي عقاب ولا يكون هذا الشخص قد تطوع بادائه بمحض اختياره". وغياب الإرادة هو السمة الأبرز لملامح ضحايا الاتجار بالبشر وهي ذات الملامح التي توفرت لدى الأطفال المقيمين في معسكر الرقاب والذين حررتهم الدولة من الاستعباد والهيمنة. وهي أيضا ذات الملامح التي توفرت في 155 اجنبيا مقيما في تونس تعرضوا الى عملية استعباد اقتصادي من ذلك حرمانهم من أجورهم طيلة فترة الاستعباد والتي تصل الى 3 اشهر او اكثر وهو حال القضية المنشورة بداية العام 2017 في محكمة سليانة والمتهم فيها شخص اجنبي يعمل بالسمسرة ويتوسط لايجاد فرص عمل لاشخاص أجانب من حاملي الجنسية الايفوارية وعند احضار العمّال يقبض اجرة عمل ثلاثة او أربعة اشهر لخاصة نفسه بعنوان عمولة ويترك العامل يباشر دون ان يتحصل على أي مقابل طيلة تلك الفترة ولكن الصادم هو ان الدائرة الجنائية بالمحكمة أصدرت حكما بعدم سماع الدعوى ولم يكن سنده قانون مكافحة الاتجار بالبشر وفقا لما جاء في تقرير بالاتجار بالاشخاص في تونس، قراءة في ملفات قضائية ومعاينة مادية ل20 محكمة تونسية صدر مؤخرا عن محامون بلا حدود والهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. أخطاء التقاضي لم تواكب المنظومة القانونية بعد هذه المفاهيم الجديدة التي فتّحت أعين التونسيين على ظواهر لم تكن سابقا تُحسب كضرب من ضروب الاتجار بالبشر وهو ما تقر به رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر روضة العبيدي حيث يعمل فريق مكلف في الهيئة لمواءمة التشريعات لتحيين المنظومة القانونية وهو أيضا ما تنص عليه الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر 2018 2023. مسار التقاضي في الاتجار بالبشر لا يشيد هو الآخر ب"اليقظة" القضائية التي بإمكانها كسر هذا الطوق ووقف نزيف العبودية الذي عاد للتشكّل في تونس بعد الغائها منذ 173 سنة إذ ان 16 بالمئة من القضايا المنشورة في المحاكم بتهمة الاتجار بالبشر صدر فيها حكم بعدم الاتجار وان 20 بالمئة من القضايا تم حفظها و47 بالمئة منها ما تزال طور التحقيق وفقا للدراسة المنشورة مؤخرا لمحامون بلا حدود ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهيئة مكافحة الاتجار بالاشخاص. كما انّ حوالي نصف المحاكم التونسية (9 من مجموع 20 محكمة) ليس فيها دفاتر خاصة بجرائم الاتجار بالاشخاص ما يعني تعطيل مسار متابعة هذه النوعية من الجرائم. كما ان قضايا الاتجار بالبشر يبحث في جرائمها أعوان لم يتلقوا تكوينا في الغرض باستثناء الفرقة المركزية بتونس وبالتالي جغرافيا يفقد الضحية حقه بمجرد ان الباحث لا خلفية قانونية له حول الاتجار بالاشخاص كما يحكم في هذه القضايا قضاة لم يتلقوا التكوين المطلوب وفقا لما جاء في نتائج الدراسة الميدانية المنجزة في 20 محكمة تونسية. كما تنعدم الإدانة بموجب قانون الاتجار بالبشر في الكثير من القضايا وتشهد إجراءات التقاضي بطئا لا يليق بوجوب سرعة التدخل لإنقاذ الضحايا. في المحصلة لم نكن لنقف يوما نحتسب فيه ضحايا الاتجار بالبشر من بيننا لولا وجود القانون عدد 61. فبهذا القانون صار بالإمكان التعرف على الضحايا والاشعار بالحالات وعدّ حالات الاتجار بالبشر وما الأرقام المعلنة في تقارير الهيئة سوى قليل من كثير لم نكشف عنه بعدُ بسبب تعثّر مسار البحث والتقاضي. روضة العبيدي (رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص) نتعرّض لتضييقات أي مفهوم للاتجار بالبشر نستطيع تقديمه بشكل مبسط للقارئ؟ الاتجار بالبشر هو استعباد الأشخاص وأسواق العبيد كانت قبل إلغاء العبودية في 23 جانفي 1846 مرئية ولكنها اليوم غير مرئية وهذا أمر خطير. والمفاهيم الحديثة للعبودية والاستعباد او الاتجار بالبشر تشمل الاستغلال الاقتصادي أي التشغيل القسري والاستغلال الجنسي وايسار الدين والاستعباد المنزلي والتسول والاستغلال في اطار الاتجار بالمخدرات او غيرها من أنشطة الجريمة المنظمة وغيرها من أنواع الاتجار بالبشر التي نشتغل عليها صلب الهيئة. والمثير هو اننا ورغم انطلاق عملنا منذ أقل من 3 سنوات ورغم عملنا المجهد رغم نقص الإمكانيات وحصدنا في جوان الماضي لجائزة عالمية لافضل مجهودات بُذلت في اطار مكافحة الاتجار بالبشر لا نلاقي أي دعم او تشجيع. هذه الجائزة تفتح آفاق للبلاد فالمستثمرين ينظرون أيضا الى تصنيفات البلد في وجهتهم الاستثمارية ويقدّرون مثل هذه الجوائز. ما تفسيرك لنقص الإمكانيات الذي تعيشه الهيئة؟ هل هذا شكل من أشكال التضييقات؟ القانون يقول إنّ للهيئة ميزانية ولكن وزارة الاشراف لم تقدم لنا أي معطى بخصوصها وبالتالي ليس لنا إجابة بخصوص هذا الوضع هناك غياب للشفافية في التعاطي مع الهيئة. اما على مستوى العمل هناك وزارات تدعم عملنا مثل الداخلية والشؤون الاجتماعية والصحة والتربية وهناك وزارات لا تتفاعل أصلا مع الهيئة. الهيئة تعمل في اطار تنفيظ التزامات الدولة التونسية لمكافحة الاتجار بالبشر وبالتالي عملنا هو آلية من آليات التزام الدولة ونحن لم نطالب بامتيازات ولا ترقيات ولا سيارات آخر موديل بل طالبنا فقط بالتفاعل السريع مع تدخلات الهيئة وتمكينها من ميزانية وإصدار أمرها الترتيبي. من هم ضحايا الاتجار بالبشر في تونس؟ هم تونسيون وأجانب. والضحايا الأجانب يتعرضون بنسبة 100 بالمئة الى الاستغلال الاقتصادي اما الضحايا التونسيون فهم يتعرضون لكافة أنواع الاتجار بالبشر باستثناء الاتجار بالاعضاء. والمعنيين اكثر محليا هم الأطفال وعمل الهيئة اسهم في نقص حالات الاستغلال الاقتصادي للأطفال وتعريضهم للتسول ففي تقريرنا الصادر في 2017 كانت نسبة الضحايا الأطفال 75 بالمئة من مجموع الضحايا وفي تقرير 2018 نزلت النسبة الى 42 بالمئة وقد تم ذلك بالتنسيق مع الداخلية ومندوبي حماية الطفولة وعبر الخط الأخضر المجاني. كما ان عدد قضايا الاتجار بالبشر ارتفع من 18 قضية في 2017 الى 67 قضية في 2018. ما الذي حصل بالضبط في معسكر الرقاب (استخدم مصطلح معسكر باعتبار وان ما صدر من معطيات عن الجهات الرسمية وغير الرسمية إثارة هذا الملف تؤكد مما لا شك فيه ان الفضاء لم يكن مدرسة بقدر ما كان معسكر تدريب)؟ ما حصل هو اننا تلقينا اشعارا من مندوبة حماية الطفولة بالجهة حول وجود شبهة في ظروف إقامة 26 طفلا في مبيت مختلط وكانت المندوبة قد اشعرت الكثير من المسؤولين في الجهة بذلك ولم يتم التفاعل مع اشعارها فتفاعلت الهيئة وعقدنا اجتماعا طارئا وتم التدخّل بعد ساعات قليلة وتحرير هؤلاء الأطفال ولديّ قائمة اسميّة في المسؤولين الجهويين الذين توجهت اليهم المندوبة ولم يتم التفاعل مع إشعارها. هل تلقيتم إشعارات مشابهة؟ بعد الرقاب هناك الكثير من المعسكرات التي اُغْلِقَت وما كان لها ان تغلق لولا غلق معسكر الرقاب. نحن نعمل وليس لدينا أي منحى سياسي وعملنا جعل اليقظة تزداد. نحن فخورون اليوم بعودة الأطفال ضحايا معسكر الرقاب الى مقاعد الدراسة وعودة بعضهم لمقاعد التكوين واعيننا ستكون دوما عليهم حتى وهم بين أسرهم. هناك صعوبة تتأكد في مجال مكافحة الاتجار بالبشر وهي عدم تحيين المنظومة القانونية او تشتتها هل لديكم خطة في هذا الاتجاه؟ تشغيل القاصرات تصل عقوبته الى 10 سنوات وفي قانون مكافحة العنف ضد المرأة لا تتخطى العقوبة 3 اشهر. وحسب مجلة الشغل يمكن تشغيل القصّر هناك فعلا تضارب بين القوانين والهيئة شكّلت لجنة متكونة من مختلف الوزارات وبمشاركة رئاسة الحكومة لمواءمة التشريعات وقد بدأنا بالنصوص الخاصة بالطفل وقمنا بجرد مختلف النصوص والمجلات القانونية وصلا الى مجلة المياه وتوزع عمل اللجنة على أربع مجموعات وأصبح لدينا اليوم جدول فيه مختلف التضارب بين القوانين التي تخص الطفل وسنصدر في شهر سبتمبر القادم هذا الجدول ونصدر معه مقترحاتنا وشرحنا وهو عمل سيُطرح على انظار البرلمان القادم. نحن نعمل على توحيد النصوص لمواءمتها وهي أهم نقطة تسعى الهيئة للاشتغال عليها.